ولهذا، فإن واشنطن تعمل على إنشاء قواعد جديدة لها بالقرب من الأراضي السورية والعراقية وذلك عقب تحول مسير التطورات الميدانية في المنطقة إلى صالح روسيا ومحور المقاومة، خاصةً بعد هزيمة المخططات الغربية والعربية والصهيونية التي كانت تحاك من اجل الإطاحة بالنظام السوري وبالرئيس الأسد.
إن امتلاك قواعد عسكرية في مختلف أنحاء العالم ولا سيما في المناطق الجيوسياسية والاقتصادية ذات المكانة الجيدة، يُعد وسيلة لتأمين مصالح القوى العظمى في العالم، حيث تمتلك الولايات المتحدة عدداً كبيراً من هذه القواعد العسكرية خارج أراضيها، تتمركز في مناطق مختلفة من العالم. وبناء على ذلك، فإن منطقة غرب آسيا تُعد واحدة من أهم المناطق في العالم التي أنشأت فيها الولايات المتحدة عدداً من القواعد العسكرية للتحكم بمنابع الطاقة المتواجدة في تلك المناطق.
وفي هذا السياق، وافق الكونغرس الأميركي قبل أيام قليلة على إضافة 143 مليون دولار إلى ميزانية وزارة الحرب الأميركية، لتطوير وتحسين كفاءة قاعدتها الجوية "موفق السلطي" المتواجدة على الحدود الأردنية مع سوريا والعراق وفي سياق متصل، أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقريرها إلى أن قاعدة "موفق السلطي" الجوية، المعروفة باسم "القاعدة الزرقاء"، الواقعة في منطقة ذات أهمية استراتيجية كبرى، تحتاج إلى تحسين فوري في مرافقها وقدراتها العسكرية، لكي تتمكن القوات الأميركية استخدامها والاستفادة منها بدلاً من قاعدة "العيديد" القطرية.
الجدير بالذكر هنا إلى أن قاعدة "العيديد" العسكرية القطرية، تُعد اكبر قاعدة جوية أميركية تقع خارج البلاد ومن اهم القواعد الأميركية في منطقة الشرق الأوسط. كما أن قاعدة "العيديد" تُعد من اكثر القواعد العسكرية الأميركية تجهيزاً وتستضيف 10 آلاف جندي أميركي وأكثر من 120 طائرة حربية. وبالنظر إلى المكانة المهمة التي تحظى بها هذه القاعدة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو: ما هو هدف الولايات المتحدة من قيامها بهذا العمل؟ ولماذا شددت الولايات المتحدة على استبدال قاعدة "موفق السلطي" بدلاً عن قاعدة "العيديد"؟
إن الهدف الأول الذي تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقه، يرتبط بقضية العقيدة العسكرية الأميركية التي تحاول توسيع قواعدها العسكرية في العالم من أجل الحفاظ على قوتها وهيمنتها على المنافسين الجدد الذين ظهروا في المنطقة مثل الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي. فواشنطن تسعى للسيطرة على موارد الطاقة المتواجدة في منطقة غرب آسيا وذلك من اجل الحفاظ على مكانتها القيادية في الاقتصاد العالمي.
ولهذا، فإنها تعمل على إنشاء قواعد جديدة لها بالقرب من الأراضي السورية والعراقية وذلك عقب تحول مسير التطورات الميدانية في المنطقة إلى صالح روسيا ومحور المقاومة، خاصة بعد هزيمة المخططات الغربية والعربية والصهيونية التي كانت تحاك من اجل الإطاحة بالنظام السوري وبالرئيس الأسد.
الجدير بالذكر هنا أن الولايات المتحدة تمتلك حاليا قاعدة " انجيلج" الجوية في تركيا ولكن بسبب العلاقات الباردة بين أنقرة وواشنطن، فإن الولايات المتحدة تعتزم خفض اعتماداتها المالية والعسكرية لهذه القاعدة وإقامة قاعدة عسكرية جديدة لها في شمال سوريا.
بطبيعة الحال، إن التطورات الحالية في سوريا يمكن أن يكون لها دور يحفز روسيا بإنشاء قاعدة عسكرية دائمة لها في هذا البلد وهذا الأمر قد يجعل من المستحيل على الولايات المتحدة أن يكون لها قاعدة عسكرية في شمال سوريا ولذلك فإن الولايات المتحدة سوف توجه أنظارها إلى الأردن، البلد المجاور لسوريا، التي سترحب وستستضيف القوات والطائرات الأميركية على أراضيها.
ولكن الهدف الآخر الذي تسعى الولايات المتحدة لتحقيقه من إعلانها عن تخصيص ميزانية كبيرة لتجهيز قاعدة "موفق السلطي" العسكرية، هو من اجل التقليل من أهمية قاعدتها الجوية المتمركزة في قطر، خاصة بعد تلك التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" في وقت سابق والتي عبر فيها عن فرض عقوبات على قطر وبأنه في حالة أجبرت الولايات المتحدة على مغادرة وترك قاعدة "العيديد"، فإن هنالك اكثر من عشر دول سترحب بإنشاء قاعدة أميركية على أراضيها.
لقد لعبت واشنطن دوراً هاماً في الأزمة القطرية التي حدثت بين غالبية دول مجلس التعاون ومصر بقيادة السعودية مع قطر وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أعلنت بأنها ستلتزم الحياد، إلا أنها كانت وراء الكواليس تقوم بدعم تلك الدول التي قطعت روابطها الدبلوماسية مع قطر.
أن الولايات المتحدة كانت تهدف من استراتيجيتها هذه إلى الحفاظ على علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة وفرض بعض الضغوطات على هذا البلد لكي يقوم بإعادة النظر في سياساته الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بمسألة دعم "الإخوان المسلمين" وعلاقاته مع إيران.
ولكن الآن وبعد مرور عدة اشهر على تلك الضغوط التي فرضتها الحكومات الخليجية لمعاقبة الدوحة، إلا أن قطر لم تتراجع عن مواقفها التي أعلنت عنها في وقت سابق، ولهذا فأن وسائل الإعلام المختلفة أعلنت بإن الولايات المتحدة تخطط لبناء قاعدة "موفق السلطي" واستخدامها بدلا عن قاعدة "العيديد" وذلك من اجل إجبار الحكومة القطرية على قبول مطالب واشنطن المتمثلة بالابتعاد وقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران وقبول القيادة السعودية في مجلس التعاون.
وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة أيضا إلى أن الحكومة الأردنية لا تمتلك القدرة المالية التي تمتلكها دولة قطر ولا تستطيع تهيئة الظروف المناسبة لاستضافة القوات الأميركية على أراضيها ومن جهة اخرى لا تمتلك قاعدة "موفق السلطي" بنية تحتية قوية ولا معدات عسكرية كتلك التي تمتلكها قاعدة "العديد".
فخلال التسعينيات، أنفقت قطر أكثر من مليار دولار على بناء قاعدة "العيديد" الجوية وبعد ذلك قدمتها للقوات الأميركية. وبالإضافة إلى التكلفة الضخمة التي صرفتها الحكومة القطرية لبناء هذه القاعدة، فلقد قدمت الحكومة القطرية أيضا في عام 2005 عرضاً للولايات المتحدة بقيمة 400 مليون دولار لتحسين مرافق هذه القاعدة بما في ذلك المساكن الدائمة ومرافق المراقبة وناقلات الوقود وفي النهاية يمكن القول بأن الحكومة الأردنية لا تملك مثل هذه القدرة الاقتصادية لإنشاء قاعدة جوية قوية.
المصدر: موقع الوقت الاخباري
101/23