الدكتور يوسف محمد صادق رئيس برلمان منطقة كردستان العراق أحد أبرز معارضي إجراء استفتاء الانفصال في المنطقة. وفي حوار خاص مع «الأهرام» يؤكد صادق الذي يرأس جبهة «التغيير» الكردية أن إجراء الاستفتاء لا يتمتع بالشرعية، لأنه لم تتم مناقشته بصورة حقيقية تحت قبة برلمان كردستان، وتم تمريره على عجل دون دراسة لتداعياته الكارثية، التي قال إنها لحقت بالمنطقة، وأفقدتها ٥٠٪ من أراضيها المتنازع عليها مع الحكومة الاتحادية، وكذلك المكتسبات التي حصل عليها منذ فترة التسعينيات أثناء فترة حكم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وجعلت المنطقة في وضع غاية في السوء، بدلا من تعزيز استقلالها الذاتي. كما يؤكد أن منطقة كردستان لم تكن جاهزة أبدا لإقامة دولة. وإلى نص الحوار:
ما تقييمك لتجربة الاستفتاء في كردستان؟
كانت عملية خارج نطاق المؤسسات الشرعية بمنطقة كردستان العراق، لم تكن هناك دراسة جيدة لمواجهة النتائج والتداعيات التي يمكن أن يؤدي إليها الاستفتاء، سواء على الصعيد الداخلي، أو بالنسبة للعلاقة مع بغداد، أو إقليميا ودوليا. لم يكن هناك تنسيق كامل أو رؤية واضحة للعلاقة بين الأحزاب في المنطقة، ولم يكن هناك توافق في المجال السياسي أو تنسيق في عمل المؤسسات الشرعية. أتحدث كرئيس برلمان منطقة كردستان، وأؤكد أنه لم يتم بحث الأمر أو الوضع بشكل جيد.
إذن كيف تم إجراء الاستفتاء؟
كانت عملية غير محسوبة، ومررها مجلس مكون من بعض الأحزاب السياسية بصورة متعجلة وغير مدروسة جيدا، لذلك رأينا نتائج كارثية، و لم يتم بحث الأمر والقرار في البرلمان، مع أن البرلمان هو المرجع الأعلى لاتخاذ القرارات المصيرية، ولم تتم مناقشة الاستفتاء تحت قبة البرلمان إلا في جلسة عاجلة، بعد اتخاذ القرار من جانب بعض الأحزاب، وبعد ١٠ أيام من مناقشته استدعوني على عجل للبرلمان، بعد موافقة الأحزاب، وكانت جلسة البرلمان صورية، ولم أكن موافقا أو موجودا عند اتخاذ القرار.
لم تشارك وقتها احتجاجا.؟
رفعوا حظر سفري إلى أربيل، وطلبوا مني الحضور على عجل، ولكنني رفضت الحضور وقتها، كيف أحضر جلسة صورية في البرلمان على أمر تمت الموافقة عليه سلفا، ولم يناقش جيدا من كل جوانبه أو تداعياته المصيرية أو السياسية داخل البرلمان، وهو الجهة المعنية بذلك.
ما هى الملابسات التي أحاطت بالتصويت؟
في السليمانية مثلا كانت نسبة التصويت أقل من ٥٠٪، والكثير منا قاطع ولم يشارك، وكان هناك الكثير من الالتباس، لم يكن الجميع مع الانفصال، وفي المحافظات الأخرى لم تكن هناك موافقات جماعية، كان هناك كثيرون يعارضون الاستفتاء.
لكن تردد في بياناتكم أن الموافقة على الاستفتاء ٩٠٪ أو أكثر.. فماذا حدث بالضبط وبماذا تفسر تضارب الأنباء بهذا الصدد؟
صوت ٩٠٪ للانفصال ممن شاركوا في التصويت، أما الذين لم يشاركوا فهم نسبة لا بأس بها، والرافضون للانفصال نسبة كبيرة أيضا.
هل ندم من وافقوا على الاستفتاء؟
تستطيع أن تسألهم.
هل كان إجراء الاستفتاء خطأ؟
نعم ..لم تكن هناك استعدادات اقتصادية أو عسكرية، أو قياس لردود الأفعال المتوقعة من جانب بغداد والدول الأخرى. وقد أجرى الاستفتاء بعض الأحزاب السياسية دون تنسيق أو إجماع أو مشاورات كافية.
هل خسرت منطقة كردستان بإجراء الاستفتاء؟
نعم خسرنا كثيرا، وكانت نتائج الاستفتاء وتداعياته كارثية على منطقة كردستان، نتجت عنه أوضاع مزرية على الصعيد الاقتصادي والأمني والعسكري.. خسرنا ٥٠٪ من أراضي الإقليم، التي تسمى الأراضي المتنازع عليها بين الحكومة الاتحادية ومنطقة كردستان العراق، وكذلك خسرنا الكثير من المكتسبات التي اكتسبناها منذ التسعينيات إلى الآن.
هل عدتم إلى نقطة الصفر؟
للأسف تراجع وضعنا كثيرا، فمنذ عام ٢٠٠٣ إلى ما قبل الاستفتاء كانت لدينا استقلالية في المعابر والاتفاقيات والمطارات والاقتصاد..الآن فقدنا هذه الاستقلالية، وتراجعنا كثيرا، وعلينا بذل كثير من الجهد للحفاظ على مكتسباتنا وحقوقنا الموجودة في دستور العراق، وعلينا من داخل منطقة كردستان أن نبدأ من جديد، وأن تكون هناك مرحلة جديدة انتقالية لحلحلة المشكلات السياسية والاقتصادية، وأن تكون هناك مرحلة جديدة مبنية على أساس دستور العراق.
وهل هناك توافق على هذا الرأي؟
نعم هناك ترحيب بهذه الآراء داخل الإقليم.. بعد أن تعمقت المخاطر الاقتصادية والشقاق المجتمعي وفقدان السيطرة على الأراضي والموارد المهمة في الإقليم.
وهل أنت متفائل؟
بعيدا عن التفاؤل والتشاؤم، علينا القيام بما يجب أن نقوم به في الوقت الراهن، وأن نعمل من أجل إصلاح الأمور .
ماذا حدث في كركوك بالضبط؟
تم اجتياح كركوك من قبل الجيش العراقي والحشد الشعبي بفصائله المختلفة والشرطة العراقية وقوات مكافحة الإرهاب، مما أدى إلى قتال في بعض الجبهات، واستشهد حوالى مائة من جنود البيشمركة، وأصيب أضعاف هذا الرقم.
هل فقد البيشمركة سمعتهم القتالية؟
للأسف كان هناك قرار غير مدروس، ولم يكن هناك استعداد، ولا يمكن الحديث عن أن قوات البيشمركة فقدت سمعتها التي اكتسبتها خلال انتصاراتها في حربها على داعش لأنه لم تكن هناك استعدادات كافية قبل المعركة.
ألا تعتقد أن القتال العراقي - العراقي محبط للعراقيين في كردستان وكل مناطق العراق؟
القضية ليست دينية أو طائفية، لأننا نعيش داخل العراق، ولدينا رئيس كردي، ونواب أكراد بالبرلمان العراقي، ولدينا علاقات أسرية ومواطنة كاملة، لم يكن هناك أبدا طلاق بين الحكومة الاتحادية العراقية والإقليم.
أزمة منطقة كردستان الحالية .. هل هي بسبب تداعيات الاستفتاء وحسب؟
الاستفتاء كان أحد أسباب الأزمة الحالية، لكن في الواقع أن المنطقة كانت منذ فترة طويلة غير مستقرة اقتصاديا وضعيفة مؤسسيا ومقسمة سياسيا، إلى جانب انخفاض أسعار النفط وتكاليف الحملة العسكرية ضد تنظيم «داعش» الإرهابي.
ألم تكن هناك محاولات لمعالجة الأمر؟
على الرغم من أن حكومة كردستان قد خفضت الإنفاق ورفعت الضرائب، إلا أنها فشلت في التعامل مع مشاكلها المالية والسياسية على نحو فعال، واعتمدت على الانتصارات العسكرية الكردية للحصول على الدعم الخارجي.
هل الوضع خطير الآن ؟
الآن هناك مراجعة شاملة وتقييم لكل جوانب أمور الإقليم، تمهيدا لمرحلة جديدة . هناك خلافات سياسية موجودة بالمنطقة، وهناك اتهامات متبادلة بين الحزبين الكبيرين الاتحادي الوطني والديمقراطي الكردستاني في الإقليم،وكان هناك بعض أحداث الشغب في الأيام الماضية في زاخو ودهوك، لكن تمت السيطرة على الوضع .
وما الحل؟
الآن يعمل العقلاء وبعض الكوادرالسياسية على ترميم الأمور ومنع الاقليم من الانزلاق أكثر في الخلافات الحزبية.
هل أثر رحيل طالباني في تفاقم الأزمة؟
للأسف بعد مرضه ابتعد عن السياسة في المنطقة منذ عام ٢٠١٤، حتى رحيله، ومن يومها ترك فراغا كبيرا داخل المنطقة، وكذلك في العلاقة بين الحكومة الاتحادية والإقليم، وبعد غيابه زادت التوترات.
هل التوتر في العراق طائفي ؟
هناك توترات في الشارع العراقي بعضها طائفي وبعضها سياسي مع الأسف،وكذلك ظهرت توترات عرقية أيضا، وفي الحقيقة يجب أن يكون هناك توازن وتفاهم بين كل تكوينات العراق الطائفية والسياسية .
هل هناك حاجة لتوحيد الجبهة الداخلية في العراق ؟
الانتصار على الإرهاب خطوة مهمة لترسيخ الاستقرار، لكنها ليست كافية لبسط الاستقرار والسلم الاجتماعي، ولابد من خطوات تتبعها مثل توسيع اللامركزية في المحافظات العراقية لكيلا يتم تكرار الأخطاء التي تسببت في إنتاج «داعش» واستمراره كل هذا الوقت، ونجد الآن صوت العقل أعلى لتجاوز ما حدث بالمنطقة.
ألا تتخوفون من تأثير دول الجوار تركيا وإيران أو "إسرائيل" على الأزمة بين أربيل وبغداد؟
بعض دول الجوار لها مصالح في العراق كله وفي مناطق منه، وأعتقد أن من صالح هذه الدول إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة،لأن عدم وجود استقرار يمكن أن يستغله المناوئون لهذه الدول، إذن مصلحتنا ومصلحتهم إرساء الاستقرار وعدم الصراع على مصادر الطاقة في منطقة كردستان العراق.
الطاقة والبترول في كردستان الآن في يد من؟
كلها في يد الحكومة الاتحادية، الحكومة كانت تسيطر قبل الاستفتاء .
هل انتهى حلم الاستقلال في كردستان العراق؟
كل واحد فى الإقليم لديه حلم أن يرفرف علم كردستان بجوار أعلام الدول الأخرى، لكن ذلك يحتاج إلى بناء نظام يقوم بتلبية حاجات المواطنين وإرساء دولة الحكم الرشيد، وهذا خير من قيام دولة فاشلة، وعلينا أن نتعلم من التجارب الفاشلة التي مرت بها دول الجوار أو العالم.
وما الأولويات التي ينبغي التركيز عليها ؟
دعنا ننظر بإيجابية للمرحلة المقبلة،ونحاول أن نبني داخل المنطقة، وتوفير الرفاهية للمواطنين،وقبلها ترميم العلاقة بين الحكومة الاتحادية والمنطقة،لكن لكي يتحقق ذلك يجب أن تتغير رؤية كلا الطرفين، فمن جانب الإقليم يجب أن يكون هناك وضوح في الرؤية وصنع للاستقرار، ومن جانب الحكومة الاتحادية يجب تغيير رؤيتها أيضا، فيجب ألا أن يكون التغيير تحت السلاح واستخدام القوة، لكن لابد من وجود تفاهم ونظر إلى المصلحة العامة لكلا الطرفين، وقد عرضنا الحوار والمناقشة، لكن الخطأ الذريع كان استخدام السلاح والقوة، يجب أن يتعلم الجميع في العراق أن الحوار هو الطريق الوحيد لعلاقة سوية بين الطرفين.
ما هى الخيارات المقبلة في العراق؟
المناهج عليها عامل كبير في إعداد الأجيال، وتذويب الخلافات والصراعات وإصلاح ذات البين،وبناء أقوى للمؤسسات الاجتماعية والسياسية بالدولة، وكل ذلك يؤدي إلى التعايش السلمي وقبول الآخر وحل المشكلات.
من يحكم كردستان الآن ؟
ليس هناك رئيس الآن، لكن توجد حكومة ورئيس حكومة الآن، والبرلمان سلطة مساعدة أيضا، وهناك على رأس الحكومة السيد نيرجرفان بارزاني ابن أخ السيد مسعود.
هل هناك أزمة اقتصادية في منطقة كردستان العراق؟
نعم يوجد نقص في السلع الغذائية وغيرها، مما سبب أزمة خلال السنتين الماضيتين، والحكومة لم تتمكن من صرف ٦ أشهر رواتب لموظفي الدولة والآن دخلنا في الشهر السابع ولم نصرف رواتب شهر اغسطس ولاسبتمبر، فضلا عن رواتب نوفمبر ويصرف فقط ربع الراتب طوال هذه المدة، الوضع صعب والصرف فقط لوزارتي التعليم والصحة.