و"الجديد" هذه المرة اكتشاف سوق لبيع الرقيق أثار صدمة الليبيين والمجتمع الدولي، إذ يستغل المهربون الفوضى السائدة في ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011.
إعلان حكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج والمعترف بها من قبل المجتمع الدولي، فتح تحقيق حول ما نشر مؤخرا بشأن أنشطة بيع المهاجرين الأفارقة "كعبيد" في ليبيا، يعيد تسليط الضوء على المآسي والانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان التي تحدث على الأراضي الليبية في ظل الفوضى الأمنية وغياب سلطة الدولة.
وكانت شبكة "سي.إن.إن" الإخبارية الأمريكية نشرت تقريرا استقصائيا مصورا حول "أسواق العبيد" في ليبيا، كشفت فيه عن وجود أسواق لبيع وشراء المهاجرين غير الشرعيين الذين فشلوا في العبور إلى أوروبا، للعمل كعمال أو مزارعين من خلال مزادات علنية، كما نشرت خريطة أظهرت من خلالها وجود تسع أسواق "للعبيد" في مدن مختلفة من ليبيا.
وظهر في تسجيل التقط بواسطة هاتف محمول، شابان يُعرضان للبيع في المزاد للعمل بمزرعة غير بعيدة عن العاصمة طرابلس، ليوضح بعدها الصحفي الذي أعد التقرير أن كلاهما بيعا بمبلغ 1200 دينار ليبي أي 400 دولار.
وكانت منظمة الهجرة الدولية قد ذكرت فى وقت سابق أنها تملك أدلة قوية عن وجود "أسواق عبيد" حقيقية في ليبيا، وقال مدير بعثة المنظمة في ليبيا إن تحديد أسعار المهاجرين يخضع للمهارات التي يمتلكونها "يختلف السعر حسب المؤهلات، فمثلا، إذا استطاع العامل القيام بالصباغة أو تركيب البلاط أو القيام بعمل متخصص، فإن السعر سيكون مرتفعا".
ولم تمض أيام على تقرير "سي إن إن" حتى خرج وزير الداخلية بحكومة الوفاق الوطني الليبية عارف الخوجة مؤكدا أن التحقيق الذي أمرت الحكومة بإجرائه حول قضية بيع مهاجرين أفارقة كـ"عبيد"، سيعطي نتائجه قريبا، ما يعني أن المسؤولين عن هذه الأنشطة سينالون جزاءهم.
ويتساءل الصحافي في قناة فرانس24 وسيم الأحمر "هل كان يجب انتظار خروج تقرير تلفزيوني غربي للتحقيق في هذا النوع من الممارسات؟ وهل كانت الحكومة على علم بالأمر؟
تعقيدات الأوضاع في ليبيا
وحذرت وزارة الخارجية الليبية من أن "المعالجات الدولية السطحية والعقيمة" لقضية الهجرة غير الشرعية "هو ما يعيق جهودها في الحد من هذه الظاهرة ويفتح المجال لعصابات الجريمة المنظمة لممارسة أنشطتها الإجرامية". وهذا يشير إلى تعقيدات هذا الملف في ليبيا، ويلقي بظلال من الشكوك حول قدرة سلطات طرابلس على الوفاء بتعهداتها في وضع نهاية لمآسي اللاجئين والمهاجرين، خصوصا أن بعضها يحدث في مناطق لا تخضع لنفوذها.
حيث لم ينجح السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني الضعيفة، الذي يحظى بدعم المجتمع الدولي في بسط سلطته على البلاد بالكامل بعد أكثر من عام من انتقال حكومة الوفاق إلى طرابلس. أما المشير خليفة حفتر غير المعترِف بشرعية حكومة السراج فيحظى بدعم "برلمان طبرق" المنتخب ونجح بتحقيق مكاسب عسكرية ميدانية في شرق البلاد. هذا الغياب لدولة مركزية موحدة يطرح تساؤلا حول قدرة الحكومة على مراقبة الحدود وتفكيك شبكات التهريب من جهة، ومن جهة أخرى فإن عدم الاستقرار السياسي قد يدفع إلى زيادة عدد المهاجرين من ليبيا نفسها.
دور الاتحاد الأوروبي؟
وتساهم هذه الأوضاع المعقدة في جعل مهمة ضبط الأمن على السواحل الليبية مهمة شاقة، وتلقي بمزيد من الضغوط على صانعي القرار في العواصم الأوروبية الذين يبحثون بشكل محموم عن حل لأزمة اللاجئين، وكان المفوض الأعلى لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة زيد رعد الحسين ندد بحدة في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر بتدهور ظروف احتجاز المهاجرين في ليبيا واعتبر التعاون الأوروبي مع هذا البلد عملا "غير إنساني". واستهدفت انتقاداته خصوصا "سياسة الاتحاد الأوروبي القاضية بمساعدة خفر السواحل الليبي على اعتراض المهاجرين وإعادتهم".
ويقول وسيم الأحمر إن الاتحاد الأوروبي يحاول إيجاد تسوية سياسية للوضع في ليبيا خاصة وأن عددا من الدول الأوروبية تشعر بالمسؤولية إزاء ما تعانيه البلاد من انقسامات، ومن بينها فرنسا التي أقر رئيسها إيمانويل ماكرون بأن التدخل في ليبيا عام 2011 كان خطأ فادحا.
وتحدث المفوض الأوروبي ديمتريس أفراموبولوس عن العمل مع الشركاء الأوروبيين للتوصل إلى حلول دائمة كتقديم الدعم المالي "عبر الصندوق الائتماني لأفريقيا" الذي أتاح "لآلاف المهاجرين في ليبيا الحصول اليوم على العلاج الطبي".
كما أشار إلى خطة المفوضية الأوروبية "لإعادة توطين" 50 ألف لاجئ على الأقل مباشرة من الدول الأفريقية في دول أوروبية خلال العامين المقبلين.
المصدر: فرانس24