محفوظ ولد اعزيزي*
تحضرني هذه الأيام قصة من تاريخ إمبراطورية مالي الوثنية عندما كان يتحكم في قضاياها المصيرية مجلس مؤلف من سبعة حكماء يمثلون إله الإمبراطورية (الثعبان) . و كان الشعب يرضى بما يصدره هذا المجلس من أحكام مقدسة، تستند كلها إلى تعاويذ و معتقدات المجلس الخرافية.
لقد كان هؤلاء الحكماء يشعوذون العقل البشري في هذه المملكة و يحاربون كل ما هو إنساني و يصورون الجمال على أنه لعنة يحاربها إلههم الثعبان و يلعنها و يعتبرها مخالفة لناموس الكون و قيم مملكته العظيمة.
و كانوا يصدرون أوامرهم لحكام أقاليم الإمبراطورية للبحث في كل الأرجاء عن أجمل الفتيات ليتم تقديمها للرب (الثعبان) كوليمة قربان تزف إليه في مغارته القصية بعد أن تلبس أجمل الثياب و يتم تجميلها بأغلى ما لدى الإمبراطورية من حلي و مجوهرات.
وقد أدت لعنة اكتشاف هذه الخرافة إلى انهيار هذه الإمبراطورية و تفككها؛ ففي أحد الأيام التي كانت الإمبراطورية تخوض فيها حربا مع المخالفين لمعتقداتها، عاد قائد جيوش الإمبراطورية إلى عاصمتها للتزود بالتوجيهات و العتاد. و بينما هو على مشارف العاصمة التقى أحد معارفه فبادره بخبر مفاده أن خطيبته وقع عليها اختيار الحكماء السبعة لتقدم إلى الإله الثعبان في مغارته ، فهرع القائد إلى المغارة و صعد على تلتها و نظر إلى الأسفل فإذا بالحكماء السبعة أسفل التلة يمارسون الفاحشة مع خطيبته الضحية، فوقف مذهولا من هول المشهد ، و بقي على حاله ينظر حتى انتهى الأخير ، فقتلوا الضحية و تقاسموا ما بحوزتها من حلي و مجوهرات ؛ عندها غادر القائد العسكري مسرعا قبل أن يلاحظوا وجوده و لم يبح بكلمة مما شاهده مخافة أن يؤثر ذلك على معنويات جنوده المشبعة بروح خرافة الحكماء السبعة و إلههم الثعبان.
و بعد انتهاء المعركة ، قرر القائد أن يصارح شعبه بحقيقة حكمة حكمائهم و خرافة إلههم الثعبان و بالمأساة المريرة التي تعرضت لها جميلات الإمبراطورية على أيادي تلك المجموعة الآثمة المشبعة بالشبق الجنسي و الحب المفرط للمال و المجوهرات.
لقد لاحظت أن لهذه القصة اليوم حضورا قويا في واقعنا العربي المعاش ، فهناك آلهة ثعابين يمارسون النهب و السلب و القتل و التدمير في بلداننا و هناك قرابين تقدم لهم باستمرار؛ إنها أجمل عرائس بلداننا العربية و أكثرها ألقا و حضورا في وجداننا الجمعي : القدس ، بغداد ، طرابلس ، صنعاء و التربص منذ فترة بدمشق و القاهرة و تونس و الحبل على الجرار...
إن لهذه الآلهة القابعة في تل أبيب و البيت الأبيض و الإيليزي و باكينغهام ، حكماء منا يزيد عددهم على عدد حكماء الإمبراطورية المالية، ولدوا و شبوا و شابوا في خدمة نزوات آلهتهم بتلاوينها الشيطانية المختلفة. و أثناء انفراد إحدى عصابات هذه الآلهة بإحدى فاتنات عرائسنا العربية ( أرض الكنانة ) و قف قائد الجيوش على حبيبته (مصر) و هي تتعرض للاغتصاب على أيادي سدنة الآلهة و لم يتفرج كنظيره المالي فبادر إلى تخليصها من براثين "الحكماء" إلا أن أحد أفراد مجموعة "الحكماء" افتعل خصاما مع أحد أفراد عصابته من أجل الإبقاء على خيط يربطه بالجميلة مصر لإبقائها في دائرة استهداف عصابته ليتم الإيقاع بها في مرحلة لاحقة . فهل يدرك القائد المخَلص هذه المكيدة و يقوم اقتداء بنظيره المالي ، بعد أن كسب المعركة بكشف حقيقة هذه العصابة و آلهتها و تخليص شعب أرض الكنانة من آثامها و شرورها؟
سياسي و كاتب موريتاني*