قصيدة تبكي.. الشريف الرضي يرثي أمه

السبت 11 نوفمبر 2017 - 15:48 بتوقيت غرينتش
قصيدة تبكي.. الشريف الرضي يرثي أمه

ثقافة - الكوثر

رثاء الشريف الرضي لأمه:

أبكيك لو نقع الغليل بكائي ***** وَأقُولُ لَوْ ذَهَبَ المَقالُ بِدائي

وَأعُوذُ بالصّبْرِ الجَميلِ تَعَزّياً ***** لَوْ كَانَ بالصّبْرِ الجَميلِ عَزائي

طوراً تكاثرني الدموع وتارة ***** آوي الى اكرومتي وحيائي

كم عبرة موهتها باناملي ***** وسترتها متجملاً بردائي

ابدي التجلد للعدو ولو درى ***** بتَمَلْمُلي لَقَدِ اشتَفَى أعدائي

ما كنت اذخر في فداك رغيبة ***** لو كان يرجع ميت بفداءِ

لو كان يدفع ذا الحمام بقوة ***** لتكدست عصب وراءَ لوائي

بِمُدَرَّبِينَ عَلى القِرَاعِ تَفَيَّأُوا ***** ظِلَّ الرّمَاحِ لكُلّ يَوْمِ لِقَاءِ

قَوْمٌ إذا مَرِهُوا بِأغبابِ السُّرَى ***** كَحَلُوا العُيُونَ بإثمِدِ الظّلْمَاءِ

يَمشُونَ في حَلَقِ الدّرُوعِ كأنّهُمْ ***** صم الجلامد في غدير الماءِ

ببروق ادراع ورعد صوارم ***** وغمام قسطلة ووبل دماءِ

فَارَقْتُ فِيكِ تَماسُكي وَتَجَمّلي ***** ونسيت فيك تعززي وابائي

وَصَنَعْتُ مَا ثَلَمَ الوَقَارَ صَنيعُهُ ***** مما عراني من جوى البرحاءِ

كم زفرة ضعفت فصارت انة ***** تَمّمْتُهَا بِتَنَفّسِ الصُّعَداءِ

لَهفَانَ أنْزُو في حَبَائِلِ كُرْبَة ***** مَلَكَتْ عَليّ جَلادَتي وَغَنَائي

وجرى الزمان على عوائد كيده ***** في قلب آمالي وعكس رجائي

قَدْ كُنتُ آمُلُ أنْ أكونَ لكِ الفِدا ***** مِمّا ألَمّ، فكُنتِ أنْتِ فِدائي

وَتَفَرُّقُ البُعَداءِ بَعْدَ مَوَدَّة ***** صعب فكيف تفرق القرباءِ

وَخَلائِقُ الدّنْيَا خَلائِقُ مُومِسٍ ***** للمنع آونة وللاعطاءِ

طوراً تبادلك الصفاء وتارة ***** تَلْقَاكَ تُنكِرُهَا مِنَ البَغضَاءِ

وَتَداوُلُ الأيّامِ يُبْلِينَا كَمَا يُبلي ***** الرّشَاءَ تَطاوُحُ الأرْجَاءِ

وَكَأنّ طُولَ العُمْرِ روحَة رَاكِبٍ ***** قضى اللغوب وجد في الاسراءِ

أنْضَيتِ عَيشَكِ عِفّة وَزَهَادَة ***** وَطُرِحْتِ مُثْقَلَة مِنَ الأعْبَاءِ

بصِيَامِ يَوْمِ القَيظِ تَلْهَبُ شَمْسُهُ ***** وقيام طول الليلة الليلاءِ

ما كان يوما بالغبين من اشترى***** رغد الجنان بعيشة خشناءِ

لَوْ كَانَ مِثلَكِ كُلُّ أُمٍّ بَرّة ***** غني البنون بها عن الآباءِ

كيف السلو وكل موقع لحظة ***** اثر لفضلك خالد بازائي

فَعَلاتُ مَعرُوفٍ تُقِرّ نَوَاظِرِي ***** فَتَكُونُ أجْلَبَ جالِبٍ لبُكائي

مَا مَاتَ مَنْ نَزَعَ البَقَاءَ، وَذِكْرُهُ ***** بالصّالحاتِ يُعَدّ في الأحْيَاءِ

فبأي كف استجن واتقي ***** صَرْفَ النّوَائِبِ أمْ بِأيّ دُعَاءِ

ومن الممول لي اذا ضاقت يدي ***** ومن المعلل لي من الادواءِ

ومن الذي ان ساورتني نكبة ***** كَانَ المُوَقّي لي مِنَ الأسْوَاءِ

أمْ مَنْ يَلِطّ عَليّ سِتْرَ دُعَائِهِ ***** حَرَماً مِنَ البَأسَاءِ وَالضّرّاءِ

رُزءانِ يَزْدادانِ طُولَ تَجَدّدٍ ***** أبَدَ الزّمَانِ: فَناؤها وَبَقائي

شهد الخلائق انها لنجيبة ***** بدَليلِ مَنْ وَلَدَتْ مِنَ النُّجَبَاءِ

في كل مظلم ازمة أو ضيقة ***** يَبْدُو لهَا أثَرُ اليَدِ البَيْضَاءِ

ذَخَرَتْ لَنا الذّكرَ الجَميلَ ***** إذا انقضَى ما يذخر الآباء للابناءِ

قَدْ كُنْتُ آمُلُ أنْ يَكُونَ أمامَها ***** يومي وتشفق ان تكون ورائي

آوي الى برد الظلال كأنني ***** لِتَحَرّقي آوِي إلى الرّمضَاءِ

واهب من طيب المنام تفزعاً ***** فزع اللديغ نبا عن الاغفاءِ

آبَاؤكِ الغُرّ الّذِينَ تَفَجّرَتْ ***** بِهِمُ يَنَابيعٌ مِنَ النّعْمَاءِ

مِنْ نَاصِرٍ للحَقّ أوْ داعٍ إلى ***** سبل الهدى أو كاشف الغماءِ

نزلوا بعرعرة السنام من العلى ***** وَعَلَوا عَلى الأثْبَاجِ وَالأمْطَاءِ

من كل مستبق اليدين الى الندى ***** وَمُسَدِّدِ الأقْوَالِ وَالآرَاءِ

يُرْجَى عَلى النّظَرِ الحَدِيدِ تَكَرّماً ***** ويخاف في الاطراق والاغضاءِ

دَرَجُوا عَلى أثَرِ القُرُونِ وَخَلّفُوا ***** طُرُقاً مُعَبَّدَة مِنَ العَلْيَاءِ

يا قبر امنحه الهوى واود ***** لو نزفت عليه دموع كل سماءِ

لا زَالَ مُرْتَجِزُ الرّعُودِ مُجَلْجِلٌ ***** هَزِجُ البَوَارِقِ مُجلِبُ الضّوْضَاءِ

يرغو رغاء العود جعجعه السرى ***** وَيَنُوءُ نَوْءَ المُقرِبِ العُشَرَاءِ

يقتاد مثقلة الغمام كانما ***** ينهضن بالعقدات والانقاءِ

يهفو بها جنح الدجى ويسوقها ***** سوقَ البِطَاءِ بِعاصِفٍ هَوْجَاءِ

يرميك بارقها بافلاذ الحيا ***** وَيَفُضّ فِيكَ لَطائِمَ الأنْداءِ

متحلياً عذراء كل سحابة تَغْذُو ***** الجَمِيمَ برَوْضَة عَذْرَاءِ

للومت ان لم اسقها بمدامعي ***** وَوَكلْتُ سُقْيَاهَا إلى الأنْوَاءِ

لهفي على القوم الالى غادرتهم ***** وعليهم طبق من البيداءِ

مُتَوَسّدِينَ عَلى الخُدُودِ كَأنّمَا ***** كرعوا على ظمأ من الصهباءِ

صور ضننت على العيون بلحظها ***** أمْسَيْتُ أُوقِرُها مِنَ البَوْغَاءِ

وَنَوَاظِرٌ كَحَلَ التُّرَابُ جُفُونَها ***** قد كنت احرسها من الاقذاءِ

قربت ضرائحهم على زوارها ***** ونأوا عن الطلاب اي تنائي

وابئس ما تلقى بعقر ديارهم ***** أُذْنُ المُصِيخِ بِهَا وَعَينُ الرّائي

معروفك السامي انيسك كلما ***** وَرَدَ الظّلامُ بوَحشَة الغَبْرَاءِ

وضياءُ ما قدمته من صالح لك ***** في الدجى بدل من الاضواءِ

إنّ الذي أرْضَاهُ فِعلُكِ لا يَزَلْ ***** تُرْضِيكِ رَحْمَتُهُ صَبَاحَ مَسَاءِ

صَلّى عَلَيكِ، وَما فَقَدْتِ صَلاتَهُ ***** قَبلَ الرّدَى، وَجَزاكِ أيّ جَزَاءِ

لَوْ كَانَ يُبلِغُكِ الصّفيحُ رَسَائِلي ***** او كان يسمعك التراب ندائي

لَسَمِعتِ طُولَ تَأوّهي وَتَفَجّعي ***** وعلمت حسن رعايتي ووفائي

كَانَ ارْتِكاضِي في حَشاكِ مُسَبِّباً ***** رَكضَ الغَليلِ عَلَيكِ في أحشائي

مقتبس من ديوان الشريف الرضي

 

تصنيف :