محمد عبد النبي المخوضر (أبو مقداد)
التسليمُ في اللّغة، هو الإنقياد لشيءٍ ما، دونَ مقاومة، ويأتي في معنى الإستسلامُ له، وقد يكونُ هذا المُسَلَّمُ لهُ شخص، أو فكرة، أو طبع، أو الكثير من الأمورِ الأخرى ..
ويولدُ الإنسان، تلقائيا مُسلِّمًا لنوعينِ من المُسَلَّمات:
مُسلمات لا إراديّة: وهيَ خواصَّهُ الفطرية، التي جعلها الله فيهِ وميزهُ بها، كشكلِ ملامحه، لون بشرته، صوته، وغيرها مما لا إرادة للإنسان باختيارها، وهذا ليس مورد حديثنا هنا.
مُسَلَّمات إرادية: – وهو غايةُ الحديث – كإسمك، ولغتك، ودينك، وعاداتك، وأطباعك وأفكارك وثقافتك، والعديد من الأمورِ التي يمكننا اختيارها أو رفضها لكننا نعتبرها منَ المُسَلَّمات التي لا نسمحُ لغيرِنا أن يناقِشنا فيها، بل لا نسمح لأنفسنا أن نفكر في شأنِ تسليمنا لها!!
نُسلِّمُ زمام عقلنا لها فقط لأنا هذا ما وجدنا أنفسنا عليه مذ أن وعينا في هذهِ الدنيا، فإذا نشأ أحدٌ منا على خللٍ في المجتمعِ، سواء موروث أو مُكتسب، فإنهُ بتسليمهِ لهذا الخلل سيساهمُ في توريثهِ للأجيالِ القادمة بل قد يتطور هذا الخللُ لكارثة قادمة!!
المجتمعاتُ الجامدة، تكون جامدة بسببِ تعاقبِ الأجيال بعد الأجيالِ وهي متمسكة بذات الثوابت والمسلمات، بدونِ التحقيق فيها، حيث ينتجُ جيلٌ يسلمُ لذات الأمور التي سلم بها أجداده، إلا أنه لا يتمكنُ من معرفة الغاية من تسليمهِ لها، لا لغيرها!
كأنْ يولدُ أحدنا في بيئةٍ مسلِمة، فيسلِم لكونهِ مسلِم لكنه لا يعرفُ لماذا هو مسلِم، ولماذا يرفضُ الديانات الأخرى، ونفسهُ لو وُلِدَ مسيحي مثلا، سيسلِّمُ لذات الدّيِن، وسيرفضُ بقيةَ الديانات!!
نعم، مطلوبٌ منّا في عقيدتِنا كمسلِمين أن نسلّم لله مطلق التسليم، ولكن هذا لا يعني أن لا نفهمَ أصلا لماذا الإسلام دونَ غيره، ولماذا نحن مسلِمون ولسنا غير ذلك؟!!!
المجتمع الجامدُ هو المنغلقُ على نفسهِ بمسلماتهِ وثوابته، وكل خصائصهِ القديمة، لا يسمح لأي فكرةٍ أو ثقافةٍ أو رأي أن يخترق مجتمعه ويُطرح فيه، لذلك تجده يهاجمهُ بقوة، ويطلقُ عليه أبشعَ الوُصُوف، دون أن يتمكن من الدفاع عن أفكاره ومسلماته وثوابته، لذا فالمجتمع الجامد هو الذي سيواجه كل الأفكار والثقافات الجديدة بـ ” لا ” أو على أقل تقدير ” لماذا ” بينما المجتمعُ المرن والواثق من أفكاره و ثوابته، هو من سيواجه كل فكرة جديدة أو ثقافة بـ ” لمَ لا “؟! وليس بالضرورة أن تنتهي بنعم، فقبولك للإستماعِ وتقبل جميع الآراء والأطروحات لا يعني بالضرورة قبولها واعتمادها والتمسّك بها.
إن معرفتنا بحقيقةِ هذهِ المسلَّمات والثوابت والأفكار من جهة، واطلاعنا على مسلَّماتِ وثوابت وأفكار المجتمعات الأخرى من جهة أخرى، سيوصِلنا لأمرٍ من أمرين مهمَيْن جدًا، حيث أنه بعد البحث والتحقيق في حقيقتها وصحتها سنصل إلى إنها إما تكن باطلًا فنستبعدها ونتمسك بما هو حق أو سنتأكد من أحقيتها، أو كونها ثابتة حقًا أو تستحق التثبيت وهذا ما ينتج عنه تقوية ارتباطنا بهذا الحق، لذلك، ينبغي أن نتمسّك بثوابتنا، لكن عن معرفةٍ بها، وبتفاصيلها.
لا مشكلة في أن تكتشفَ نفسك على خطأ، لكن المشكلة في أن تمارس هذا الخطأ دون أن تحاول اكتشافهُ أو تصحيحه، وبالمثل، لا يكفي أن تكون على حقٍ، دون أن تكون عارفًا بهذا الحقِّ مختارًا له، مقتنعًا به.