لقد اختص الله سبحانه أهل البيت النبويِّ الشريف بمزايا عظيمة، ومكانة عالية رفيعة, وفضائلَ لا تُحصى؛ وقال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (الأَحْزَاب:33) إن الآية الكريمة صريحة في تكريم أهل البيت، وتمييزهم وخصهم بكرامة عالية ومنقبة جلية سامية، ألا وهي إذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم تطهيراً.
كذلك فقد وصَّى بهم خير الخلق صلَّى الله عليه وسلَّم، في قوله: "أُذكِّركم اللهَ في أهل بيتي، أُذكِّركم اللهَ في أهل بيتي، أُذكِّركم الله في أهل بيتي". إن حياة الأئمة عليهم السلام كلها حياة جهاد وتضحية في سبيل اللَّه عزَّ وجلَّ كما نهض الإمام الحسين عليه السلام وضحى بدمه ودماء أهله الطيبين من ذريته وأصحابه، فكانت نهضته المباركة حياة للإسلام ليستلهم المسلمون من حركته التي بقيت حية نابضة في مختلف المجتمعات. ولذلك حاول المستكبرون في كافة العصور اخماد نورها، ولكنَّ المشيئة الإلهية تغلبت على هؤلاء الظالمين، لتبقى نهضة الإمام الحسين عليه السلام خالدة على مر العصور. وفي هذا السياق اجرت وكالة مهر للأنباء حواراً مع فضيلة الشيخ هاشم منقارة "رئيس مجلس قيادة حركة التوحيد الإسلامي في لبنان وعضو اتحاد علماء بلاد الشام" لايضاح ابعاد نهضة الامام الحسين (ع) العظيمة والتعرف على مكانة هذا الامام الشهيد لدى أهل السنة والجماعة. فيما يلي نص الحوار:
ما هي الرسالة التي تحمل شهادة الامام الحسين عليه السلام للأمة الاسلامية؟
رسالة شهادة الامام الحسين عليه السلام الينا هي ان نعيش الإسلام في عقيدته وفي شريعته وفي مناهجه وفي أساليبه وأهدافه في الحياة، وعندما نعيش الإسلام وعندما نتحدث عن الإسلام في رسالته ، فإننا نتحدث عن المسلمين جميعاً، لنعيش كما أرادنا رسول الله صلى الله عليه وآله وكما أرادنا القرآن من خلال ذلك، أن نعيش وحدة الأمة «إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون»، و نعيش وحدة الأمة رغم اختلاف الأمة في خطوطها المذهبية وفي اجتهاداتها الفقهية، لأن الإسلام واحد وإن تنوّع فهمه.
الحسين عليه السلام هو نموذج هذه الوحدة، ذلك أن المسلمين يرون جميعاً بأن "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة»، ويرون جميعاً كلمة رسول الله صلى الله عليه وآله «إني أحب حسيناً، أحب الله من أحب حسيناً".
فالحسين عليه السلام هو الذي تخفق قلوب المسلمين بمحبته وتعظيمه وبمعرفة فضله.
إن شهادة الإمام الحسين تجمع الأمة كل الأمة على العدل والإنصاف وفي خندق واحد ضد كل من يريد بالإسلام والمسلمين سوءا ومن يريد أن يزرع الفتنة بينهم.
الإمام الحسين بن علي عليه السلام نهضه خالدة لكل الأجيال ولكل الفئات ولكل الأزمنة بل للإنسانية جمعاء.
إن الدماء التي بذلها الامام الحسين عليه السلام والذي يمثل رمزا للوحدة الاسلامية بكل أبعادها كلمات بينها رسول الله (حسين مني وأنا من حسين) حيث بين الاندماج الرسالي الوحدوي لذلك الحسين تجسيدا خالدا وحيا للرسالة و الوحدة. من هنا لا بد أن نلتفت الى أهمية الوحدة الاسلامية بل الوحدة الانسانية من خلال شعارات الامام الحسين، وعبر الكلمات التي أطلقها عليه السلام والتي يدعو فيها البشرية أن يكون كل من العدل والحب والمساواة والقيم الإنسانية الفاضلة هي المعايير الحقيقية لحفظ كرامة الإنسان.
ما هي مكانة الامام الحسين عليه السلام بين الأخوة أهل السنة وفي الأحاديث المروية عن طريقهم؟
يرى السنة الإمام الحسين أحد الرموز المشرقة من أئمة آل البيت ( عليهم السلام ) الذين استكملت فيهم الصفات الإنسانية ، وبلغوا ذروة المجد ، وأقاموا منار هذا الدين ، ورفعوا شعار الحق والعدل في الأرض ، وتبنوا القضايا المصيرية للإسلام ، وعانوا في سبيله جميع ألوان الخطوب ، ولاقوا كل جهد وضيق من جبابرة عصورهم وطغاة أزمانهم .
وان استشهاد إمامنا الحسين عليه السلام وسيرته الروحية : عنوان راسخ لحقيقة الثبات على الطريق الى الله تعالى ... ولعظمة المثالية في أخذ العقيدة وتمّثلها ..
السنة يرون انه منذ الأيام الأولى والعناية المحمدية تحف بسيدنا الحسين عليه السلام، ولقد تجلت ألطف صورها في حالة لم يسبق لها مثيل ، وهي إرضاعه صلى الله تعالى عليه و سلم للحسين بإبهامه الشريف ويذكر الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يظهر محبته للحسين عليه السلام، ومن ذلك ما جاء على لسان أبي هريرة أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو حامل الحسين بن علي، وهو يقول: اللهم أني أحبه وأحب كل من يحبه.
بهذة النصوص النبوية الشريفة دلل حضرة المصطفى صلى الله عليه و سلم على مدى الصلة العميقة التي بينه وبين حفيده ، فالحسين عليه السلام منه لأنه يحمل روحه وهديه، ويحمل اتجاهاته العظيمة الهادفة إلى إصلاح الإنسان ورفع مستواه، وتطوير وسائل حياته على أساس الإيمان بالله الذي يحمل جميع مفاهيم الخير والسلام في الأرض.
ما هي رؤية علماء اهل السنة لمن قام بقتل الامام الحسين ومن امر بذلك ؟
أن قتل الامام الحسين من أعظم الذنوب وأن فاعل ذلك والراضي به والمعين عليه ظالم مستحق لعقاب الله الذي يستحقه فلا ريب أنه قتل مظلوما شهيدا وقتل الحسين معصية لله ورسوله ممن قتله أو أعان على قتله أو رضى بذلك وهو مصيبة أصيب بها المسلمون من أهله وغير أهله وهو في حقه شهادة له ورفع حجة وعلو منزلة فإنه وأخاه سبقت لهما من الله السعادة التي لا تنال إلا بنوع من البلاء ولم يكن لهما من السوابق ما لأهل بيتهما فإنهما تربيا في حجر الإسلام في عز وأمان فمات هذا مسموما وهذا مقتولا لينالا بذلك منازل السعداء وعيش الشهداء .
لقد كانت ثورة الامام عليه السلام كما قال: (أما بعد.. فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر).
كيف يمكن لابناء الامة الاسلامية شيعة وسنة ان يواصلوا درب الامام الشهيد حسين بن علي عليه السلام في عالمنا المعاصر؟
لا خيار امام المسلمين سنة وشيعة إذا ما ارادوا البقاء امة عزيزة مهيبة الجانب الا من خلال مواصلة درب الامام الشهيد الحسين عليه السلام فالناظر للمؤامرات التي تحيط بالأمة من كل حدب وصوب يجد ان اصحابها يمعنون في فتنهم التفتيتية للوصول الى مبتغاهم الاستكباري ولما كانت سيرة الامام عنواناً للوحدة الاسلامية الكبرى فإن السبل الممكنة لمواصلة الدرب في عالمنا المعاصر من اجل الوصول الى امة واحدة مقاومة يتمثل في الانفتاح على المذاهب الاسلامية المختلفة ودراستها من مصادرها المعتمدة لديها لمعرفة أفكارهم وحججهم من خلال إجتماع أهل الحل والعقد من العلماء والمفكرين من جميع المذاهب و الفرق الاسلامية بروح عالية وعلى أسس موضوعية ومنطقية لمعالجة الأمر بمناقشة أصول الإختلاف من جذورها، والتحاكم الى القرآن الكريم والاحاديث الشريفة ـ المتفق عليها لدى المسلمين جميعاً ـ والعقل بغية التوصل الى المعتقد الصحيح والحكم الشرعي المبريء للذمة في كل صغيرة وكبيرة مما يحتاج إليه المسلمون في شؤون حياتهم، ومن ثم إعلام الأمة الاسلامية بما سيتوصلون اليه حتى يتم قبوله باعتباره معتقداً موحداً وممحصاً ومنقحاً لا غبار عليه، وهذا يتفق مع ما دعى اليه القرآن الكريم حيث قال : ﴿ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ﴾ . (وكالة مهر للأنباء)
ولا بد من تبادل الإحترام بين المذاهب الاسلامية كلها دون التعرض لرموزها ومعتقداتها والتعامل مع أتباع المذاهب جميعاً على أنهم مسلمين موحدين تجوز مناكحتهم وتحل ذبائحهم وتصان دماؤهم وأعراضهم وأموالهم ومساجدهم ومقدساتهم من أن يتعرض لها، ومنع الجهات التكفيرية من توزيع الاتهامات على المسلمين وإثارة الفتن بين الطوائف والمذاهب الاسلامية .
كيف تساهم النهضة الحسينية في وأد الخلاف المذهبي بين المسلمين الشيعة والسنة؟
إن مساهمة النهضة الحسينية في وأد الخلاف المذهبي بين المسلمين الشيعة والسنة في سياقه التاريخي الاصيل واضحة المعالم وفي الوقت المعاصر يسجل للثورة الاسلامية في ايران منذ انبلاج فجر ثورتها المباركة على يدي الامام الراحل آية الله الخميني قدس سره والتي يتابعها بعين الرعاية الامام الخامنئي دام ظله يسجل لها مسارها الوحدوي المقاوم في كل اقوالها وافعالها واهتماماتها ونحن في حركة التوحيد الاسلامي وقد ارتبطنا مع هذة الثورة منذ بدايتها بعلاقة وحدة المسار والمصير ندرك اهمية وابعاد هذا الدور المركزي الوحدوي المقاوم للجمهورية الاسلامية في ايران وتأثيره لصالح الامة على مجريات الاحداث الاقليمية والدولية وفي هذا السياق فإن النموذج الوحدوي المقاوم الذي صنعته المقاومة في لبنان والذي ينبغي تعميمه ما هو الا ثمرة هذا النهج الحسيني المبارك.