ومضات من حياة الشهيد السيد محمد باقر الصدر

الإثنين 6 نوفمبر 2017 - 08:05 بتوقيت غرينتش
ومضات من حياة الشهيد السيد محمد باقر الصدر

علماء - الكوثر

ولادته ونشأته:
شهيدنا الصدر ولد في مدينة الكاظمية، وفي كنف جده الإمام موسى بن جعفر، وكانت ولادته في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة 1353 هجرية المصادفة لسنة 1934 ميلادية. نشأ السيّد الصدر يتيماً، فقد مات والده السيّد حيدر الصدر وهو في السنوات الأولى من عمره، وهكذا شابه جده رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) حياة اليتم والفقر وضنك العيش. احتضنت رعايته والدته العابدة التقية بنت آية اللّه الشيخ عبد الحسين آل ياسين وهم من أعاظم الفقهاء، وقد عرف عن والدة الشهيد الصدر أنها مثالاً عالياً للتقوى والورع، كانت شديدة الحب للّه تعالى ولرسوله ولأهل بيته (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، كانت لا تفارق القرآن تتلوه آناء الليل وأطراف النهار، وكانت دائمة الذكر لله تعالى لا يفتر لسانها عن التسبيح والتحميد والاستغفار وقد تحملت الكثير الكثير من المعاناة حيث عاشت مع الشهيد الصدر أيام المحنة الصعبة وأيام الحصار الأخير، وكانت صابرة محتسبة. في هذا الكنف الطاهر المبارك ترعرع ونشأ السيّد الصدر، ويجب أن لا ننسى دور أخيه الأكبر آية اللّه السيّد إسماعيل الصدر فقد أولاه الكثير من الرعاية والاهتمام مما خفف عنه آلام اليتم وقسوة الحياة..
خلّف الشهيد الصدر ولداً واحداً هو السيّد محمد جعفر الصدر يشتغل الآن بالدراسة الحوزوية في قم المقدسة، كما خلّف الشهيد الصدر خمس بنات طاهرات نقيات.
ولا أريد أن أسترسل في السيرة الذاتية للشهيد الصدر، وإن كانت هذه السيرة جديرة بأن نقف عندها كثيراً فهي غنية بالعطاء والدروس الكبيرة، ولكني أحاول أن أقف عند محطة الشهادة في حياة السيّد الصدر (رضوان اللّه عليه)، كما أحاول أن أعالج باختصار رؤية الشهيد الصدر حول (الثقافة الروحية).

دراسته وأساتذته:
تعلم القراءة والكتابة وتلقى جانباً من الدراسة في مدارس منتدى النشر الابتدائية، في مدينة الكاظمية المقدسة وهو صغير السن وكان موضع إعجاب الأساتذة والطلاب لشدة ذكائه ونبوغه المبكر، ولهذا درس أكثر كتب السطوح العالية دون أستاذ. بدأ بدراسة المنطق وهو في سن الحادية عشرة من عمره، وفي نفس الفترة كتب رسالة في المنطق، وكانت له بعض الإشكالات على الكتب المنطقية.
في بداية الثانية عشرة من عمره بدأ بدراسة كتاب معالم الأصول عند أخيه السيد إسماعيل الصدر، وكان يعترض على صاحب المعالم ، فقال له أخوه: إن هذه الاعتراضات هي نفسها التي اعترض بها صاحب كفاية الأصول على صاحب المعالم. في سنة 1365 هـ هاجر سيدنا الشهيد المفدى من الكاظمية المقدسة إلى النجف الاشرف، لإكمال دراسته، وتتلمذ عند شخصيتين بارزتين من أهل العلم والفضيلة وهما: آية الله الشيخ محمد رضا آل ياسين (قدس سره)، وآية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي (رضوان الله تعالى عليه). أنهى دراسته الفقهية عام 1379 هـ والأصولية عام 1378 هـ عند آية الله السيد الخوئي (رحمه الله).
بالرغم من أن مدة دراسة السيد الصدر منذ الصبا وحتى إكمالها لم تتجاوز 17 أو 18 عاماً، إلا أنها من حيث نوعية الدراسة تعدّ فترة طويلة جداً، لأن السيد كان خلال فترة اشتغاله بالدراسة منصرفاً بكلّه لتحصيل العلم، فكان منذ استيقاظه من النوم مبكراً وإلى حين ساعة منامه ليلا كان يتابع البحث والتفكير، حتى عند قيامه وجلوسه ومشيه.
تدريسه:
بدأ السيد الصدر في إلقاء دروسه ولم يتجاوز عمره خمس وعشرون عاماً، فقد بدأ بتدريس الدورة الأولى في علم الأصول بتاريخ 12 / جمادى الآخرة / 1378 هـ وأنهاها بتاريخ 12 / ربيع الأول / 1391، وشرع بتدريس الدورة الثانية في 20 رجب من نفس السنة، كما بدأ بتدريس البحث الخارج في الفقه على نهج العروة الوثقى في سنة 1381هـ.
وخلال هذه المدة استطاع سيدنا الأستاذ أن يربي طلاباً امتازوا عن الآخرين من حيث العلم والأخلاق والثقافة العامة، لأن تربية السيد الصدر لهم ليس منحصرة في الفقه والأصول، بل أنّه يلقي عليهم في أيام العطل والمناسبات الأخرى محاضراته في الأخلاق، وتحليل التأريخ، والفلسفة، والتفسير لذا أصبح طلابه معجبين بعلمه وأخلاقه، وكماله إلى مستوىً منقطع النظير، ولهذا حينما يجلس السيد بين طلابه يسود بينهم جو مليء بالصفاء والمعنوية.
طلابه:
من أبرز طلابه ما يأتي ذكرهم:
1
ـ آية الله السيد كاظم الحائري.
2
ـ آية الله السيد محمود الهاشمي الشاهرودي.
3
ـ آية الله السيد محمد باقر الحكيم.

نبوغه:
كانت علائم النبوغ بادية على وجهه منذ طفولته، وعلى سبيل المثال نذكر هذه القصة التي حدثت في بداية الحياة الدراسية للسيد الصدر وكان السيد الصدر يدرس عند الشيخ محمد رضا آل ياسين، وحينما وصل الأستاذ في بحثه إلى مسألة أن الحيوان هل يتنجس بعين النجس، ويطهر بزوال العين، أو لا يتنجس بعين النجس؟
فذكر الشيخ آل ياسين أن الشيخ الأنصاري ذكر في كتاب الطهارة: أنه توجد ثمرة في الفرق بين القولين تظهر بالتأمل، ثم أضاف الشيخ آل ياسين: إن أستاذنا المرحوم السيد إسماعيل الصدر حينما انتهى بحثه إلى هذه المسألة، طلب من تلاميذه أن يبيّنوا ثمرة الفرق بين القولين، ونحن بيّنا له ثمرة في ذلك، وأنا أطلب منكم أن تأتوا بالثمرة غداً بعد التفكير والتأمل
.
وفي اليوم التالي حضر السيد الصدر قبل الآخرين عند أستاذه، وقال له: إنّي جئت بثمرة الفرق بين القولين، فتعجب الشيخ آل ياسين من ذلك كثيراً، لأنه لم يكن يتصور أن حضور تلميذه إلى الدرس حضوراً اكتسابيا، وإنما هو حضور تفنني.
فبين سيدنا الصدر ثمرة الفرق بين القولين، وحينما انتهى من بيانه دهش الأستاذ من حِدّة ذكاء تلميذه ونبوغه، وقال له: أعد بيان الثمرة حينما يحضر بقية الطلاب، وحينما حضر الطلاب سألهم الشيخ: هل جئتم بثمرة؟ فسكت الجميع ولم يتكلم أحد منهم، فقال الأستاذ: إن السيد محمد باقر قد أتى بها، وهي غير تلك التي بيّناها لأُستاذنا السيد إسماعيل الصدر.
ثم بيّن السيد الشهيد الصدر ما توصل إليه من ثمرة الفرق بين القولين، وقد نفذ السيد بنبوغه هذا إلى صميم القلوب بصفته شخصية علمية وفكرية بارزة، وحاز على اعتراف فضلاء وعلماء الحوزة العلميّة.

مؤلفاته:
ألّف آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر (رحمه الله) العديد من الكتب القيمة في مختلف حقول المعرفة، وكان لها دور بارز في انتشار الفكر الإسلامي على الساحة الإسلامية وهذه الكتب هي:
1
ـ فدك في التاريخ: وهو دراسة لمشكلة (فدك) والخصومة التي قامت حولها في عهد الخليفة الأول.
2
ـ دروس في علم الأصول الجزء الأول.
3
ـ دروس في علم الأصول الجزء الثاني.
4
ـ دروس في علم الأصول الجزء الثالث.
5
ـ بحث حول المهدي: وهو عبارة عن مجموعة تساؤلات مهمة حول الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)
6 - نشأة التشيع والشيعة
.
7 - نظرة عامة في العبادات.
8 - فلسفتنا: وهو دراسة موضوعية في معترك الصراع الفكري القائم بين مختلف التيارات الفلسفية، وخاصة الفلسفة الإسلامية والمادية والديالكتيكية الماركسية.
9 - اقتصادنا: وهو دراسة موضوعية مقارنة، تتناول بالنقد والبحث المذاهب الاقتصادية للماركسية والرأسمالية والإسلام، في أسسها الفكرية وتفاصيلها.
10 - الأسس المنطقية للاستقراء: وهي دراسة جديدة للاستقراء، تستهدف اكتشاف الأساس المنطقي المشترك للعلوم الطبيعية وللإيمان بالله تبارك وتعالى.
11 - رسالة في علم المنطق: اعترض فيها على بعض الكتب المنطقية، ألفها في الحادية عشرة من عمره الشريف.
12 - غاية الفكر في علم الأصول: يتناول بحوثا في علم الأصول بعشرة أجزاء، طبع منه جزء واحد، ألفه عندما كان عمره ثماني عشرة سنة.
13 - المدرسة الإسلامية: وهي محاولة لتقديم الفكر الإسلامي في مستوى مدرسي ضمن حلقات متسلسلة صدر منها:
أ ـ الإنسان المعاصر والمشكلة الاجتماعية.
ب ـ ماذا تعرف عن الاقتصاد الإسلامي؟
14 ـ المعالم الجديدة للأصول: طبع سنة 1385 هـ لتدريسه في كلية أصول الدين.
15
ـ البنك اللاربوي في الإسلام: وهذا الكتاب أطروحة للتعويض عن الربا، ودراسة لنشاطات البنوك على ضوء الفقه الإسلامي.
16
ـ بحوث في شرح العروة الوثقى: وهو بحث استدلالي بأربعة أجزاء، صدر الجزء الأول منه سنة 1391 هـ.
17
ـ موجز أحكام الحج: وهو رسالة عملية ميسرة في أحكام الحج ومناسكه، بلغة عصرية صدر بتاريخ 1395 هـ.
18
ـ الفتاوى الواضحة: رسالته العملية، ألفها بلغة عصرية وأسلوب جديد.
19
ـ بحث فلسفي مقارن بين الفلسفة القديمة والفلسفة الجديدة: ألفه قبيل استشهاده ولم يكمله، تحدث فيه حول تحليل الذهن البشري، ومن المؤسف جداً أن هذا الكتاب مفقود ولا يعرف أحد مصيره.
20
ـ بحث حول الولاية: أجاب السيد في هذا الكتاب عن سؤالين، الأول: كيف ولد التشيع؟ والثاني: كيف وجدت الشيعة؟
21 ـ تعليقة على الرسالة العملية لآية الله العظمى السيد محسن الحكيم (قدس سره)، المسماة (منهاج الصالحين).
22 ـ تعليقة على الرسالة العملية لآية الله العظمى الشيخ محمد رضا آل ياسين، المسماة (بلغة الراغبين).
23
ـ المدرسة القرآنية: وهي مجموعة المحاضرات التي ألقاها في التفسير الموضوعي للقرآن الكريم.
24
ـ الإسلام يقود الحياة: ألف منه ست حلقات في سنة 1399 هـ، وهي:
1
ـ لمحة تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية في إيران.
2
ـ صورة عن اقتصاد المجتمع الإسلامي.
3
ـ خطوط تفصيلية عن اقتصاد المجتمع الإسلامي.
4
ـ خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء.
5
ـ منابع القدرة في الدولة الإسلامية.
6
ـ الأسس العامة للبنك في المجتمع الإسلامي.

لقطات من حياة الشهيد الصدر
اللقطة الأولى: خشوعه وانقطاعه إلى الله تعالى في العبادة:
يحدثنا الشيخ النعماني وهو من المرافقين للشهيد الصدر رضوان الله عن هذه الظاهرة فيقول:
فكان - يعني السيد الصدر - في أحيان كثيرة يجلس في مصلاه فكنت أجلس خلفه، وقد دخل وقت الصلاة، بل قد يمضي على دخول وقتها أكثر من نصف ساعة والسيد جالس مطرق برأسه يفكّر، ثم فجأة ينهض فيؤدي الصلاة، هذه الأمور وغيرها دفعتني في يوم من الأيام للاستفسار منه عن سبب هذه الظاهرة... فقال رضوان الله عليه:(إنّي آليت على نفسي منذ الصغر أن لا أصلّي إلا بحضور قلب وانقطاع، فاضطر في بعض الأحيان إلى الانتظار حتى أتمكن من طرد الأفكار التي في ذهني حتى تحصل لي حالة الصفاء والانقطاع وعندما أقوم للصلاة).
هكذا كانت حالة الشهيد الصدر في صلاته وفي دعائه وفي تلاوته للقرآن انقطاع تام إلى الله تعالى، وذوبان وانصهار وخشوع وتضرع، إنّه التجسيد الحي لقوله تعالى:(قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون)، القرآن، يتحدث عن نمطين من الصلاة:
1 - صلاة الخاشعين.
2 - صلاة الكسالى.
يقول الشيخ النعماني: "ولم تكن هذه الحالة خاصة بالصلاة فقط بل كانت تمتد إلى كل أشكال وصور العبادة الأخرى ولقد سمعته خلال فترة الحجز - ولم أسمعه قبل ذلك - يقرأ القرآن في أيام وليالي شهر رمضان بصوت حزين وشجي، ودموع جارية، يخشع القلب لسماعه، وتسمو النفس لألحانه، وهو في حالة عجيبة من الانقطاع والذوبان مع معاني القرآن، إنه مشهد عجيب يعجز القلم عن وصفه، وما فيه من معنويات كبيرة."
ويحدثنا الشيخ النعماني عن حالة الانقطاع عند الشهيد الصدر في أثناء طوافه حول الكعبة المشرفة فيقول: "فقد كان رضوان الله عليه يذهب إلى المسجد الحرام يصلي الظهر والعصر، ثم يعود إلى الفندق لتناول وجبة الغذاء، ثم يعود مرة أخرى في حدود الثانية ظهراً إلى المسجد حيث يقل الزحام بسبب شدة الحر وكانت أرض المسجد مغطاة بالمرمر الطبيعي - وهو غير المرمر الموجود حالياً - فكان لا يتمكن أحد من شدة الحر من الطواف في تلك الفترة، فكان رحمه الله يذهب في ذلك الوقت إلى المسجد حافي القدمين، وكنت أطوف معه فو اللّه ما تمكنت من إكمال شوط واحد حتى قطعت طوافي وذهبت مسرعاً إلى الظل، فقد شعرت أن باطن قدمي قد التهب من شدة الحر، وما طفت في تلك الساعة إلا متنـّـعلاً... فكنت أعجب من حال السيد الشهيد رحمه الله وهو يطوف ويصلي وكأنه في الجو الطبيعي الملائم، فسألته يوماً بعد عودتنا من المسجد الحرام عن هذه القدرة العجيبة من التحمل فقال: ما دمت في المسجد الحرام لا أشعر بالحرارة، نعم بعد أن أعود إلى الفندق أحس بألم في قدمي"، إنّه الانقطاع والذوبان مع الله تعالى والعروج إلى عالم الملكوت، ولقد حدثتنا كتب السيرة عن عبادة أمير المؤمنين (عليه السلام) وعن خشوعه وانقطاعه وذوبانه مع الله تعالى، إلى درجة الانفصال التام عن كل ما حوله، وإلى درجة الانفصال عن جسده المادي... روي أنّه وقع نصل في رجله (عليه السلام) فلم يمكّن أحداً من إخراجه، فقالت فاطمة (عليها السلام): أخرجوه في حال صلاته فإنّه لا يحسّ حينئذ ما يجري عليه، فأخرج وهو في صلاته فلم يحس به أصلاً... وتحدثنا بعض الروايات عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) أنّه كان في صلاته فشب حريق في الدار فتصايح الناس، والإمام مشغول بصلاته حتى أوشكت النار أن تصل إليه وهو يواصل صلاته، فلما فرغ علم بوجود النار، فسألوه عن ذلك فقال: شغلتني نار الآخرة...
فليس غريباً أيهّا الأحبة أن يكون الشهيد الصدر رضوان الله عليه وهو تلميذ هذه المدرسة المباركة مدرسة الأئمة من أهل البيت (صلوات الله عليهم)، أن يتعلم من أجداده الطاهرين المعصومين، أن يتعلم من رسول الله (صلى الله عليه وآله)سيد المرسلين وأن يتعلم من علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأن يتعلم من السجاد زين العابدين (عليه السلام) كيف يعيش الانقطاع إلى الله تعالى وكيف يعيش الخشوع والانصهار والذوبان في صلاته وفي دعائه وفي تلاوته وفي كل حالات عبادته وحالات حياته.

اللقطة الثانية:عطفه على أعدائه:
كان الشهيد الصدر رضوان الله عليه يحمل بين جنبيه قلباً كبيراً ينبض بالرحمة والعطف حتى على أعدائه، يقول الشيخ النعماني: "في ظهر أحد أيام الاحتجاز كنت دائماً في غرفة المكتبة فاستيقظت على صوت السيد الشهيد (رضوان الله عليه) وهو يقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) وظننت أن حدثاً ما قد وقع فسألته: هل حدث شيء؟
فقال: كلا، بل كنت انظر إلى هؤلاء - ويقصد قوات الأمن - من خلال فتحة في الكسر الصغير في زجاجة النافذة فرأيتهم عطاشى يتصبب العرق من وجوههم في هذا اليوم من أيام الصيف الحار
...
فقلت: سيدي أليس هؤلاء هم الذين يطوقـوّن منزلكم، ويعتقلون المؤمنين الأطهار من محبيكم وأنصاركم هؤلاء هم الذين روّعوا أطفالكم وحرموهم من أبسط ما يتمتع به الأطفال ممن هم في أعمارهم؟
فقال: ولدي صحيح ما تقول، ولكن يجب أن نعطف على هؤلاء، أن هؤلاء إنما انحرفوا لأنهم لم يعيشوا في بيئة إسلامية صالحة، ولم تتوفر لهم الأجواء المناسبة للتربية الإيمانية، وكم من أمثال هؤلاء شملهم الله تعالى بهدايته ورحمته، فصلحوا وأصبحوا من المؤمنين... ثمّ نزل إلى الطابق الأرضي وأيقظ خادمه الحاج عباس وأمره أن يسقيهم الماء
...
وهذا الموقف يذكرنا بموقف الإمام الحسين (عليه السلام) حينما سقى الحر بن يزيد الرياحي وعسكره في طريق كربلاء، ويذكرنا بموقفه (عليه السلام) في يوم عاشوراء حينما جلس يبكي وهو ينظر إلى الألوف المحتشدة التي جاءت لحربه، فيسأل: مم بكاؤك يا ابن رسول الله فيجيب: أبكي لهؤلاء الذين يدخلون النار بسببي... هكذا تمتلئ قلوب أولياء الله رحمةً وعطفاً حتى بالنسبة لأعدائهم والساعين لامتصاص دمائهم، وشهيدنا الصدر هو امتداد لشجرة النبوة والإمامة فلا عجب أن ينبض قلبه بهذا العطف وبهذه الرحمة وكان لهذه المشاعر النابضة أثرها الكبير فقد أثبتت الأيام .

كما يحدّث الشيخ النعماني :" أنّ أحد ضباط الأمن وكان يرأس القوات التي طوّقت منزل السيد الصدر قد أدركته الهداية الربانية متأثراً بالعواطف الحانية التي مارسها الشهيد الصدر معهم، وقد قام هذا الضابط بخدمات جليلة خلال فترة الحجز، كان السيد الصدر يذكرها له، وشاء الله أن يكرم هذا الرجل بالشهادة مع مجموعة تعاونت معه، تمّ إعدامهم على يد جلاوزة النظام، ولمّا بلغ السيد الصدر خبر إعدامه مع بعض المتعاونين معه قال مخاطباً الشيخ النعماني:"انظر كيف اهتدى هؤلاء يجب أن تتسع قلوبنا حتى لهؤلاء."

اللقطة الثالثة: أخلاقه وعلاقته مع طلابه:
كان نموذجاً رائعاً في أخلاقه وعلاقته مع طلاّبه وتلامذته، أحاطهم بحبه وعطفه ورعايته، وأفاض عليهم الكثير الكثير من توجيهاته الروحية والأخلاقية والتربوية، والكثير الكثير من إرشاداته العلمية والفكرية والثقافية، ما كان يريد لطلابه أن يكونوا طلاّب فقه وأصول فقط، رغم ما للفقه والأصول من قيمة كبيرة جداً، أراد لهم أن يكونوا حملة رسالة، ودعاة هداية، وصنــّاع أمه. وانطلاقاً من هذه الرؤية كان الشهيد الصدر رضوان الله عليه يؤكد لطلابه أنهم أبناؤه، وأنهم امتداد له، ولكن ليس امتداداً شخصياً بل هو الامتداد العلمي والفكري والروحي والأخلاقي والجهادي. ولكي نكتشف عمق العلاقة الأبوية والروحية والفكرية بين الشهيد الصدر وطلاّبه نقرأ هذا النموذج من رسائله إلى طلاّبه الذين هجّرهم النظام الحاكم في العراق إلى إيران... أورد هذا النموذج الشيخ النعماني في كتابه (شهيد الأمة وشاهدها)... ومما جاء في هذه الرسالة:
"أولادي وأحبائي: أكتب هذه الكلمات أيّها الأحبة وقد مرّ على فراق أبيكم لكم سنة كاملة تقريباً ما كان أقساها من سنة على هذا الأب الذي جسّد فيكم آماله وبذل في سبيل تحقيق وجودكم الأفضل عصارة روحه وقلبه وعقله جميعاً، وعاش يترقب نموّ أولاده، واشتداد سواعدهم في العلم، وتساميهم في الروح، وتكاملهم المستمر في الخُلق والهدى والدين، وبدأ يحسّ أن هؤلاء الأولاد البررة سوف يحققون ظنونه فيهم، ويمثلون امتداده الروحي، إذ به يفاجأ في لحظة بقدر فرق بينه وبين أبنائه وهو أحوج ما يكون عاطفيا وروحياً ودينياً إلى قربهم... وبالرغم من مرور سنة كاملة على فراق الأب لأبنائه فلا أزال اليوم أفارقكم فيه شعوراً بالألم، وشعوراً بالأمل... - إلى آخر رسالته."
هكذا نقرأ عمق العلاقة بين الشهيد الصدر وطلاّبه وقد أنتجت مدرسته المباركة عدداً كبيراً من هؤلاء الطلاب ممن أغنوا الساحة علماً وعطاءً وجهاداً، ومدرسة الشهيد الصدر مدرسة للأمة بكاملها، فهو الأب الروحي والأخلاقي والعلمي والثقافي والجهادي لكل الأمة، فهل تكون الأمة بارة بهذا الأب الكبير الذي أعطى دمه من أجل أن تبقى الأمة في خط الإيمان، ومن أجل أن تبقى الأمة نقية الفكر، ونقية الروح، ونقية السلوك، ومن أجل أن تبقى الأمة صلبة الإرادة، قوية التحدّي، شامخة العزيمة.

مواقفه ضد نظام البعث الحاكم في العراق:
للسيد مواقف مشرفة كثيرة ضد النظام العراقي العميل نوجزها بما يلي:
1
ـ في عام 1969 م، وفي إطار عدائها للإسلام، حاولت زمرة البعث الحاقدة على الإسلام والمسلمين توجيه ضربة قاتلة لمرجعية المرحوم آية العظمى السيد محسن الحكيم (قدس سره) من خلال توجيه تهمة التجسس لنجله العلامة السيد مهدي الحكيم، الذي كان يمثل مفصلا مهماً لتحرك المرجعية ونشاطها، فكان للسيد الشهيد الموقف المشرف في دعم المرجعية الكبرى من جانب، وفضح السلطة المجرمة من جانب آخر، فأخذ ينسق مع المرجع السيد الحكيم (قدس سره) لإقامة اجتماع جماهيري حاشد، ويعبر عن مستوى تغلغل المرجعية الدينية وامتدادها في أوساط الأمة، وقوتها وقدرتها الشعبية وحصل الاجتماع في الصحن الشريف لمرقد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وكان حاشداً ومهيباً ضمّ كل طبقات المجتمع العراقي وأصنافه.
ولم يقف دعمه عند هذا الحد، بل سافر إلى لبنان ليقود حملة إعلامية مكثفة دفاعاً عن المرجعية، حيث قام بإلقاء خطاب استنكر فيه ما يجري على المرجعية في العراق، وأصدر كثيراً من الملصقات الجدارية التي ألصقت في مواضع مختلفة من العاصمة بيروت.
2
ـ في صباح اليوم الذي قرر الإمام الراحل سماحة آية العظمى السيد الخميني ( رضوان الله عليه )، مغادرة العراق إلى الكويت قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران، قرر السيد الصدر الذهاب إلى بيت الإمام لتوديعه، بالرغم من الرقابة المكثفة التي فرضتها سلطات الأمن المجرمة على منزله، وفي الصباح ذهب لزيارته، ولكن للأسف كان الإمام قد غادر قبل وصوله بوقت قليل.
والحقيقة أنه لا يعرف قيمة هذا الموقف وأمثاله إلاّ الذين عاشوا تلك الأجواء الإرهابية التي سادت العراق قبيل وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران.
3
ـ بعد حادثة اغتيال الشهيد مرتضى المطهري في إيران على أيدي القوات المضادة للثورة الإسلامية في إيران، قرر السيد الصدر إقامة مجلس الفاتحة على روحه الطاهرة وذلك لأنه كان من رجال الثورة ومنظريها وكان من الواجب تكريم هذه الشخصية الكبيرة.
4
ـ ومن مواقف الفداء والتضحية ما حدث خلال فترة الحصار والإقامة الجبرية أيام انتصار الثورة الإسلامية في إيران (1399 هـ، 1979 م)، إجابته على كل البرقيات التي قد أُرسلت له من إيران، ومنها برقية الإمام الخميني (قدس سره)، علماً أن جميع تلك الرسائل والبرقيات لم تصله باليد، لأن النظام العراقي كان قد احتجزها، لكن السيد الشهيد كان يجيب عليها بعد سماعها من إذاعة إيران / القسم العربي.
وكان من حق السيد الشهيد أن يعتذر عن الجواب، فمن هو في وضعه لا يُتوقع منه جوابا على برقية، لكن لم يسمح له إباؤه فعبّر عن دعمه المطلق، وتأييده اللامحدود للإمام الراحل والثورة الإسلامية الفتية المباركة، مسجلا بذلك موقفاً خالداً في صفحات التضحية والفداء في تاريخنا المعاصر.
5
ـ تصدى (رضوان الله عليه) إلى الإفتاء بحرمة الانتماء لحزب البعث، حتى لو كان الانتماء صورياً، وأعلن ذلك على رؤوس الأشهاد، فكان هو المرجع الوحيد الذي أفتى بذلك، وحزب البعث في أوج قوته وكان ذلك جزءاً من العلة وأحد الأسباب التي أدت إلى استشهاده.
أهداف، سعى الشهيد الصدر لتحقيقها:
1 ـ كان السيد الصدر يعتقد بأهمية وضرورة إقامة حكومة إسلامية رشيدة، تحكم بما أنزل الله عز وجل، تعكس كل جوانب الإسلام المشرقة، وتبرهن على قدرته في بناء الحياة الإنسانية النموذجية، بل وتثبت أن الإسلام هو النظام الوحيد القادر على ذلك، وقد أثبت كتبه )اقتصادنا، وفلسفتنا، البنك اللاربوي في الإسلام، وغيرها) ذلك على الصعيد النظري.
2
ـ وكان يعتقد أن قيادة العمل الإسلامي يجب أن تكون للمرجعية الواعية العارفة بالظروف والأوضاع المتحسسة لهموم الأمة وآمالها وطموحاتها، والإشراف على ما يعطيه العاملون في سبيل الإسلام في مختلف أنحاء العالم الإسلامي من مفاهيم، وهذا ما سماه السيد الشهيد بمشروع (المرجعية الصالحة).
3 ـ من الأمور التي كانت موضع اهتمام السيد الشهيد (رضوان الله عليه) وضع الحوزة العلمية، الذي لم يكن يتناسب مع تطور الأوضاع في العراق ـ على الأقل ـ لا كماً ولا كيفاً، وكانت أهم عمل في تلك الفترة هو جذب الطاقات الشابة المثقفة الواعية، وتطعيم الحوزة بها.
والمسألة الأخرى التي اهتم بها السيد الشهيد هي تغيير المناهج الدراسية في الحوزة العلميّة، بالشكل الذي تتطلبه الأوضاع وحاجات المجتمع لأن المناهج القديمة لم تكن قادرة على بناء علماء في فترة زمنية معقولة، ولهذا كانت معظم مدن العراق تعاني من فراغ خطير في هذا الجانب، ومن هنا فكّر (رضوان الله عليه) بإعداد كتب دراسية، تكفل للطالب تلك الخصائص، فكتب حلقات (دروس في علم الأصول).
4 - أمّا المسألة الرابعة التي أولاها السيد اهتمامه فهي استيعاب الساحة عن طريق إرسال العلماء والوكلاء في مختلف مناطق العراق، وكان له منهج خاص وأسلوب جديد، يختلف عما كان مألوفاً في طريقة توزيع الوكلاء، ويمكننا تلخيص أركان هذه السياسة بما يأتي:
أولا: حرص على إرسال خيرة العلماء والفضلاء ممن له خبرة بمتطلبات الحياة والمجتمع.
ثانياً: تكفل بتغطية نفقات الوكيل الماديّة كافة، ومنها المعاش والسكن.
ثالثاً: طلب من الوكلاء الامتناع عن قبول الهدايا والهبات التي تقدم من قبل أهالي المنطقة.
رابعاً: الوكيل وسيط بين المنطقة والمرجع في كل الأمور، ومنها الأمور الماليّة، وقد أُلغيت النسبة المئوية التي كانت تخصص للوكيل، والتي كانت متعارفة سابقاً.

محطة الشهادة:
ولنا وقفة مع محطة الشهادة في حياة السيّد الصدر وفي حياة السيّدة بنت الهدى.
الشيخ محمد رضا النعماني - آخر من بقي مع الشهيد الصدر في الحصار الأخير - يحدثنا عن استشهاد الصدر (رضوان اللّه عليه). يقول الشيخ النعماني في كتابه (شهيد الأمة وشاهدها) - وما أذكره هنا من كلامه فيه شييء من التصرف والإيجاز :" في اليوم الخامس من شهر نيسان الأسود (أبريل) عام 1980 ميلادية وفي الساعة الثانية والنصف بعد الظهر جاء جلاوزة الأمن لاعتقال السيّد الصدر...
قالوا له: إنَّ المسؤولين يودون لقاءك في بغداد
قال لهم: إذا أمروكم باعتقالي فاذهب معكم
قالوا: نعم هو اعتقال
...
قال السيّد الصدر: انتظروني دقائق حتى أودع أهلي
قالوا: لا حاجة لذلك ففي نفس هذا اليوم أو غدٍ سنعود
قال السيّد الصدر: وهل يضركم أن أودع أطفالي وأهلي
قالوا
: لا، ولكن لا حاجة لذلك ومع ذلك فافعل ما تشاء ودّع الشهيد الصدر أهله وأطفاله...وأخذه الجلاوزة إلى بغداد وهو مستبشر حيث تنتظره الشهادة، فطالما تمنى الشهادة، كان آخر خطاب له وجهه إلى أبناء الشعب:
"أنا أعلن لكم يا أبنائي أني صممت على الشهادة، ولعل هذا آخر ما تسمعونه منّي، وإنَّ أبواب الجنان قد فتحت لتستقبل قوافل الشهداء حتى يكتب اللّه لكم النصر، وما ألذَّ الشهادة التي قال عنها رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) إنّها حسنة لا تضّر معها سيئة، والشهيد بشهادته يغسلُ كل ذنوبه مهما بلغت".
وفي اليوم الثاني جاء الجلاوزة إلى دار الشهيد الصدر لاعتقال السيّدة بنت الهدى .
قالوا لها: إنّ السيّد طلب حضورك إلى بغداد
.
قالت وهي الشامخة الصامدة: نعم سمعاً وطاعةً لأخي إن كان قد طلبني، ولا تظنوا أنيّ خائفة من الإعدام، واللّه إني سعيدة بذلك، إنّ هذا طريق آبائي وأجدادي...
ثم استأذنتهم ودخلت إلى داخل الدار لتقول كلمتها الأخيرة إلى الشيخ النعماني:
أخي أبا علي لقد أدّى أخي ما عليه، وأنا ذاهبة لكي أؤدّي ما عليّ، إن عاقبتنا على خير أوصيك بأمي وأولاد أخي، لم يبقَ لهم أحد غيرك. إن جزاءك على أمي فاطمة الزهراء والسلام عليك." فقال لها الشيخ النعماني:" لا تذهبي معهم قالت: لا واللّهِ حتى أشارك أخي في كل شي حتى الشهادة...."أخذوها إلى بغداد....
وفي مساء اليوم التاسع من نيسان (أبريل) عام 1980 ميلادية وفي حدود الساعة التاسعة أو العاشرة مساءً قطعت السلطة التيار الكهربائي عن مدينة النجف الأشرف.....
وفي ظلام الليل الدامس، تسللت مجموعة من قوات الأمن إلى دار الحجة السيّد محمد صادق الصدر - والد الشهيد الصدر الثاني - طرقوا الباب، خرج السيّد لهم، ماذا تريدون؟ «تفضل معنا إلى بناية المحافظة" خرج معهم بشيخوخته وآلامه، وما أن وصلوا به إلى مبنى المحافظة حتى فاجأه المجرم مدير أمن النجف قائلاً: هذه جنازة الصدر وأخته قد تم إعدامهما، والمطلوب منك أن تذهب معنا لدفنهما.
قال السيّد: لابدَّ لي من تغسيلهما.
قالوا له: قد تمَّ تغسيلهما وتكفينهما.
قال السيّد: لابدَّ من الصلاة عليهما.
قالوا له: نعم صلِّ عليهما...
وبعد أن انتهى من الصلاة قالوا له: هل تحب أن تراهما؟
قال السيّد: نعم.. فأمر الجلاوزة بفتح التابوت، فشاهد الشهيد الصدر «رضوان اللّه عليه» مضرجاً بدمائه، وآثار التعذيب على كل مكان من وجهه وكذلك شاهد الشهيدة بنت الهدى «رضوان اللّه عليها» مضرّجة بدمائها، وآثار التعذيب واضحة على كل مكان من وجهها
...
ثم قالوا له: لك أن تخبر عن إعدام السيّد الصدر، ولكن إياك أن تخبر عن إعدام بنت الهدى، إن جزاءك سيكون الإعدام.
كم كان هذا قاسياً على قلب هذا السيّد الجليل، وهو يشاهد هذه المأساة، وهو يشاهد الشهيد الصدر جسداً هامداً عبثت به أيدي الجريمة وغيّرت ملامحه جراحات والتعذيب، وصبغت لحيته الشريفة دماء الشهادة.
كم كان قاسياً على قلب هذا السيّد الجليل أن تقع عينه على الشهيدة بنت الهدى جسداً هامداً عبثت به أيدي الجريمة، وغيّرت ملامحها جراحات التعذيب وصبغتها دماء الشهادة.
والأشد قسوة على قلبه أنه لا يملك القدرة أن يتحدث عن إعدام الشهيدة بنت الهدى، ولذلك بقي خبر استشهادها مخفيا، وشاعت أخبار - في وقتها - تشكك في إعدام السيّدة بنت الهدى، إلاّ أنّ السيّد محمد صادق الصدر لما حانت منه الوفاة أخبر عن شهادة السيّدة بنت الهدى (رضوان اللّه عليها) .وهكذا أعطى الشهيد الصدر دمه في مواجهة نظام الظلم والقهر والاستبداد ومن أجل أن ينتصر شعب العراق المظلوم وهكذا أعطت الشهيدة بنت الهدى دمها في هذا الطريق. كان ذلك في الأسبوع الثاني من نيسان «أبريل» عام 1980م، وفي الأسبوع الثاني من نيسان «ابريل» عام 2003 ميلادية سقط نظام الطاغية صدَّام في بغداد.
فهل يعتبر الطغاة المجرمون؟ وهل يعتبر سفاكو الدماء؟ وهل يعتبر العابثون بمقدرات الشعوب؟ وهل يعتبر طواغيت الأرض؟ وإذا كان دم الشهيد الصدر ودم الشهيدة بنت الهدى عنوان الجهاد والصمود والرفض طيلة حكم الطاغية صدام فسوف يبقى دم الشهيد الصّدر ودم الشهيدة بنت الهدى عنوان الجهاد والصمود والرفض في هذه المرحلة الجديدة من تاريخ العراق، هذه المرحلة التي تحاول أمريكا أن ترسم كلّ معالمها، وكلّ مكوناتها الثقافية والأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية والسّياسية والأمنية والعسكرية..سيبقى دم الشهيد الصدر ودم الشهيدة بنت الهدى يستنهض إرادته الأمة لتواجه مشروعات الهيمنة والمصادرة والإلغاء..
فإذا كان الشعب العراقي وفياً لهذا الدم الطاهر، فيجب أن تتوحد إرادته من أجل إنهاء الاحتلال الأمريكي البريطاني الكافر، ويجب أن تتوحد إرادته من أجل صياغة حاضر العراق ومستقبل العراق بعيداً عن كلِّ الشعارات الزائفة التي تحاول أن تصادر هوية هذا البلد وأصالته وتاريخه...
وإذا كانت الأمة في كل مكان وفيةً لدم الشهيد الصدر ولدم الشهيدة بنت الهدى فيجب أن تؤكد ولاءها وانتماءها إلى خط الإيمان والأصالة لتواجه مشروعات العبث بثقافة الأمة، وبأخلاق الأمة، وبقيم الأمة، وبعبارة أكثر وضوحاً العبث بدين الأمة، وبإسلام الأمة...
فإذا كنا الأوفياء لشهيدنا الصدر، فمسؤوليتنا أن نبقي الشهيد حاضراً في ذاكرتنا، وان نبقي الصدر حاضراً في عواطفنا، وان نبقي الشهيد الصدر حاضراً في سلوكنا، وان نبقي الشهيد الصدر حاضراً في كلِّ واقعنا الثقافي والروحي والأخلاقي والاجتماعي والسّياسي...

المصدر : مؤسسة الصدرين للدراسات الإاستراتيجية و موقع السيد الغريفي