هل بالفعل هناك تفاؤل يسود الأوساط الليبية والدولية لحل وشيك للأزمة الليبية؟ وما هي أهم مؤشرات وأسباب هذا التفاؤل؟
جبريل: لأول مرة نجد قادة التشكيلات المسلحة على استعداد لإلقاء السلاح من منظور "لا ضرر ولا ضرار" أي لا يتم محاسبتهم بالإضافة الى المحافظة على مكاسبهم الاقتصادية، وعدم إقصاؤهم من المشهد السياسي، وذلك لأنها وصلت لمرحلة من الإنهاك وكلها تبحث عن طريقة للخروج الآمن ومن الممكن أن نصل إلى ما يمكن تسميته "سلام المنهكين".
ومما يشير ايضا الى ان هناك حل وشيك هو ان الخريطة المرسومة تحاول أن تعكس توازن القوى على الأرض، وتنتهج مبدأ الشمول وليس الإقصاء، كما حدث في السابق، ومن المفترض انها ستلقى مقاومة من المستفيدين المسيطرين على المشهد الحالي من خلال احتكارهم سلطة اتخاذ القرار. وأعتقد أنه ستكون هناك معارضة من قبل هذه الأطراف لفكرة المؤتمر الوطني الشامل الذي تنادي به خريطة الطريق والذي له صلاحية تسمية رئيس الحكومة والمناصب الأخرى.
ومن اهم الأسباب التي دعت للتفاؤل ان هناك تبدل وتغير كبير في الموقف الدولي تجاه ليبيا كان في الماضي المراهنة على مشروع معين وبعدها حدث تغير في الإدارة الأميركية، وتم تجربة المشروع نفسه وتوصلوا الى انه أدى الى فشل وورطة كبيرة جداً وانتشار الارهاب، فهناك رغبة من المجتمع الدولي في تغير مواقفهم تجاه ليبيا، ولكن للأسف ما زالت هناك مشكلة تعارض مصالح هذه الدول هما وصلوا إلى قناعة أن المشروع فاشل واختلفوا في كيفية الحل.
وايضا نجد تغييرا كبيرا في الموقف الدولي تجاه ليبيا، كانت هناك مراهنة على مشروع معين وبعدها جاء التغير في الإدارة الأميركية، والتي اقرت بفشل المشروع نفسه والذي أدى الى تفاقم الارهاب واثر سلبيا على جميع دول العالم، والآن لدى المجتمع الدولي رغبة في تغير مواقفه تجاه ليبيا لكن للأسف ما زالت هناك مشكلة تعارض مصالح، هذه الدول وصلت إلى قناعة أن المشروع فاشل ولكن هناك خلاف في كيفية الحل فيما بينهم، وهذه نتيجة أهمية دور المبعوث الاممي غسان سلامة والذي جاء في وقت يريد تعديل اتفاق "الصخيرات" فوجد قبول عند كل الليبيين كانوا متأكدين ان الاتفاق لا شرعية له على الارضية الليبية وهذا سبب فشله الحقيقي، ولم يعكس توازن القوى على الأرض وأغفل بعض الشرائح لذلك لم يكتسب شرعية حقيقية.
وأيضا هناك أربع شرائح غابت عن اجتماع "الصخيرات"، فبالتالي لم تكن شرعية حقيقية وغير قابلة للتطبيق لأن القوى القادرة على التطبيق لم تشارك في الصخيرات، وقد حاول المبعوث الاممي لدى ليبيا، ان يشرك القوى التي كانت غائبة عن اتفاق الصخيرات من خلال اقتراح ما اسماه المؤتمر الوطني والذي يحظى بدعم كبير جداً منه ولم يكن متوفراً في سابقه.
من وجه نظركم الشخصية ومن خلال منصبكم السابق لرئاسة وزراء ليبيا، كيف ترى الحل للأزمة الليبية والتي عانى منها الشعب لسنوات طويلة؟
جبريل: الحل يجب ان يكون من خلال "توافق حول مشروع وطني" ولا يقصي أحداً، وليس حول أشخاص، وأن يكون المتحاورون هم القوى الفاعلة على الأرض. ويكون الحوار بين الليبيين أنفسهم، تحت إدارة مشتركة للحوار من مجلس النواب ومجلس الدولة تحت مظلة الأمم المتحدة.
وبما ان الصراع الحقيقي في ليبيا هو صراع على الموارد فيجب أن يكون المكوّن الاقتصادي حاضرا في مشروع التوافق، وهذا يعني النص صراحة على حصص وحقوق ملكية اقتصادية من عائدات النفط بنسب مختلفة للمناطق الليبية وللحكومة المركزية وللأفراد وللعائلات، على أن يتحوّل ذلك فيما بعد إلى نص دستوري، كما يجب على الأطراف الدولية أن تلعب دور المراقب والضامن لهذا الحوار الليبي، ولكن دون التدخل في مضمونه.
ومن الضروري ايضا أن يتم فصل الحكومة عن المجلس الرئاسي، وأن يكون للحكومة برنامج إنقاذ وطني، ويمكن أن تتم تسميتها "حكومة أزمة" أو "حكومة وحدة وطنية" بصلاحيات كاملة، وأن يُنأى بها عن المساومات القبلية والجهوية. وأن تكون حكومة مصغرة، على أن تنقل مسؤولية تقديم الخدمات إلى البلديات في نظام حوكمة لامركزي، وبالتالي يمكن القول إن بناء الدولة يتم من الأطراف وليس من المركز.
هل ترى فعلا أن من أكبر التحديات أمام أي حكومة قادمة في ليبيا هو انتشار الميليشيات المسلحة، وانتشار السلاح مع النسبة الأكبر من الشباب الليبي؟ كيف تنظر إلى حل تلك الملفات؟
جبريل: يجب ان يكون هناك مشروع يسبق تشكيل الحكومة ولو أن الاتفاق على المشروع يكون بمشاركة قادة هذه التشكيلات "مشروع إنقاذ وطن" ليبيا.
الأن مشكلتها الحقيقية غياب الدولة عدم وجود الدولة جاء لأسباب عديدة أولها: أن الدولة لا تحتكر العنف أن السلاح في أغلبه موجود في أيدي أطراف ليست جزء من مؤسسات الدولة كانتشار المليشيات، لدينا أكثر من 1600 مليشية في ليبيا بأحجام مختلفة، وهم يحصلون على المال من الدولة وذلك بسبب عدم وجود اقتصاد يمنح فرص عمل، فجعل النموذج الوحيد هو اللجوء للسلاح ليس لحماية النفس فقط إنما لأكل العيش ثم تحول السلاح إلى مصدر نفوذ.
واليوم من يمتلك السلاح ويقود مليشيا سيصبح أمير حرب يسمعون له الناس ويلجؤون له لحل مشاكلهم، والأغرب من ذلك أن مبعوثي الدول والسفراء يجتمعون بهم وهذه مفارقة أن يقولون أن هذه المليشيات تعيق قيام الدولة وفي نفس الوقت يتعاملون معها، بل أن مخابرات بعض الدول تساعد قادة هذه المليشيات، فأصبح لهم كيان واحساس بأنفسهم أنهم الدولة والسلطة الفعلية فلنجعلهم يتركون سلاحهم.
ويجب على السلطة القادمة ان تتيح له مصلحة أكبر أو تحافظ لهم على مصلحتهم الحالية الا ان هؤلاء يَرَوْن ان ليس من مصلحتهم ان يكونوا جزءا من الدولة ولو بديل آخر كجيش قوي يأخد منهم السلاح واذا لم يوجد عليهم قبول الوضع الحالي.
هل تجد من وجه نظركم أن الحكومة الروسية تخاذلت في تقديم المساعدة إلى ليبيا؟ وكان عليها القيام بدور أكبر في الملف الليبي؟
جبريل: أذكر انني قمت بزيارة لموسكو منذ سنوات في وقت حكومة زيدان وقابلت وزير الخارجية الروسي، ومازلت أذكر جيداً ما قلت له في هذا الاجتماع قلت له التواجد الروسي في الملف الليبي مطلوب استراتجياً حتى يتعدل ميزان القوى في المشهد الليبي، فالمشهد الليبي كان محتكرا بشكل كبير جداً من القوى الغربية، فكان التواجد الروسي يعد مصلحة ليبية استراتجية لكي تعطي المفوض الليبي قدرة على المناورة حال وجود بديل، بالنسبة للجانب الروسي أكدت لهم أن في حال رؤيتهم أن الغرب تدخله ساهم في تدمير ليبيا قلت لهم "تدخلوا أنتم لإصلاحها"، وكان ذلك هو المنطق في هذه الفترة، والخذلان كان من الطرف الليبي للأسف فالحكومة الليبية هي التي أخلت بالتزاماتها.
هل تجد من أسباب التفاؤل الحالي تعيين المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة وهو رجل عربي أكثر قراءة لواقع وطبيعة الشعوب العربية؟
جبريل: كان هناك في الماضي مبعوث عربي آخر، ولكن غسان سلامة قرأ اتفاقية الصخيرات بشكل جيد جداً وأدرك التناقض بينها وبين المشهد الليبي، حيث نجد ان الإتفاقية لا يوجد لها علاقة إطلاقا بتوازن القوى على الأرض أي التي تتمثل في التشكيلات المسلحة السلاح، وهذا سبب فشل الحكومات المتعاقدة في ليبيا أن هناك قوى فعلية وقوى رسمية والقوى الرسمية لا تملك السلاح وهذا ما أغفله اتفاق الصخيرات وتجاهل القوى الاجتماعية، الشيوخ، والقبائل كقوى أخلاقية، وكذلك أتباع النظام السابق، وجمع الاتفاق شخصيات مستقلة ورؤساء جمعيات أهلية وبعض أعضاء من مجلس النواب وبعض أعضاء من المؤتمر الوطني السابق، وغابت القوى الفاعلة على الارض.
وجاء نجاح غسان سلامة ومصدر قوته في أنه قرأ بشكل صحيح وقام بعمل تعديل جذري بفصل المجلس الرئاسي عن الحكومة لكي تصبح جسم منفصل تنفيذي ولها صلاحيات لإدارة الأزمة.
قرأ بشكل أكثر دقة الواقع الليبي وحاول تعديل الاتفاق طبقا لهذا الوضع والوصول إلى المشكلة الليبية الحقيقة في مؤسسات الدولة فالمشكلة هي عدم وجود دولة وهذا التشخيص حقيقي، وعلينا اولا ان نرجع مؤسسات الدولة الأول وبعدها نتكلم عن تقسام السلطة فهذا هو التشخيص الحقيقي والقراءة صائبة لا شك.
على المستوى النظري الى الآن الطرح والتشخيص أتفق معاه تماماً ما يطبق فعلاً يتوقف على قدرة غسان سلامة على الصمود في مواجهة المقاومة والمعارضة من بعض الأطراف التي تحاول التمسك بالوضع الحالي لأنه يحقق مصلحة قوية جداً.
تتحدث بعض الأوساط الليبية على طرح اسم سيف الإسلام في تقلد منصب في الدولة الليبية في المرحلة المقبلة، ما رأيكم في ذلك وهل هناك شعبية حقيقية له يمكن أن تدفعه لترؤس منصب سياسي؟
جبريل: سيف الإسلام مواطن ليبي، لا أفضّل الحديث عن أشخاص بعينهم بل عن مشروع وطني يشمل الجميع. وأعتقد أن أي ليبي أو مواطن يقبل بالدولة المدنية الديمقراطية التي تساوي بين مواطنيها في الحقوق والواجبات ويقبل التداول السلمي للسلطة ولا يلجأ إلى العنف لتحقيق أهداف سياسية، يجب أن يكون جزءا من المشهد السياسي الذي نسعى جميعا إلى تشكيله.
ما هو رأيك، هل أخفق رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج في بعض الأمور؟ وهل حصل على دعم من الشارع الليبي؟
جبريل: في الحقيقة يجب ان نتفق ان مهمة رئيس الوزراء هي إعادة بناء الدولة، وفي البداية انا نصحت السراج بعدم الدخول الى طرابلس وذلك لأنها مدينة مملوءة بالسلاح، وقلت له يجب ان تمتلك السلاح والمال لتدخل الى طرابلس وكان ردّه انه يواجه ضغوط دولية وقلت له عليه مطالبة المجتمع الدولي بالافراج عن الأموال الليبية المجمدة في البنوك الخارجية.
نحن لم نشارك إطلاقا في تلك الحكومة والبعض كان يعتقد ان السراج من "تحالف القوى الوطنية" وهذا غير صحيح. ونحن لا نختلف على شخصية السراج فهو شخصية وطنية. ولكن مسألة الشرعية مطلب هام جداً ولا يمكن ان تمنح الشرعية الدولية لشخص دون النظر الى الشرعية التي يمنحها له شعبه، والمواطن الليبي هو من يمنح الشرعية او يحجبها.