بالرغم من الإرهاب الذي ضرب العاصمة الفرنسية باريس وسقوط عدد كبير من الضحايا واهتزاز الأمن بشكل كبير، لا يزال موعد انعقاد قمة المناخ العالمية هو نفسه بين 30 و11 كانون الأول في العاصمة الفرنسية نفسها.
بالرغم من الإرهاب الذي ضرب العاصمة الفرنسية باريس وسقوط عدد كبير من الضحايا واهتزاز الأمن بشكل كبير، لا يزال موعد انعقاد قمة المناخ العالمية (الاجتماع الـ21 للدول الأطراف في اتفاقية تغير المناخ) هو نفسه بين 30 الحالي و11 كانون الأول في العاصمة الفرنسية نفسها. هذا ما أكده وزير الخارجية الفرنسي رولون فابيوس اول من أمس. ولا تزال التوقعات تشير الى مشاركة ما يقارب 40 ألف مشارك من جميع انحاء العالم (126 دولة)، وما يقارب 3000 صحافي مسجل في الأمم المتحدة، وبمشاركة المئات من رؤساء الدول، بينهم الرئيس الأميركي والرئيس الصيني الذين أكدوا حضورهم ومشاركتهم، ضمن تأكيدات فرنسية بمضاعفة الجهود الأمنية المواكبة. من خلال متابعاتنا منذ العام 1992 لكيفية مقاربة قضية تغير المناخ العالمية، التي تعتبر أكبر كارثة عالمية تتهدّد كوكبنا الصغير والنوع الإنساني تحديداً، لا نتوقع الكثير من قمة المناخ التي ستعقد بعد اقل من اسبوعين في باريس بمشاركة كل دول العالم لمحاولة الاتفاق على اتفاقية عالمية جديدة للحدّ من تغير المناخ، تحل مكان بروتوكول كيوتو. الذي يدفعنا الى هذا الاستنتاج المتشائم جداً، عوامل عدة أبرزها:
1 ـ إن قضية تغير المناخ الناجمة عن تراكم الانبعاثات المتولدة بشكل رئيس من احتراق الوقود الاحفوري او من نشاطات صناعية وحضارية أخرى... تتطلب تخفيضاً استثنائياً وسريعاً جداً لانبعاثات دول العالم كافة، لن تستطيع هذه الدول الوفاء به في ظل ازماتها الاقتصادية المتزايدة.
2 ـ حتى لو وفت الدول بالتزاماتها ونجحت بتخفيض انبعاثاتها ما لا يقل عن 20% في الخمسين سنة المقبلة، فان ذلك لن ينفع كثيراً قضية تغير المناخ، لأنه من مميزات هذه الظاهرة انها متراكمة، أي ان غازات الدفيئة التي انبعثت من الأرض اكثر من المعتاد ومن قدرة الأرض على امتصاصها في الفترات الماضية، أي منذ الثورة الصناعية، تراكمت في الغلاف الجوي بوتيرة اسرع واكبر بكثير من قدرة الأرض بنباتاتها ومحيطاتها على امتصاصها، وبالتالي فان تأثير تخفيض الانبعاثات الآن بوتيرة كبيرة وسريعة لن يؤثر على المناخ في الخمسين سنة المقبلة على الأقل.
3 ـ تعوّدت الدول المشاركة في مؤتمرات تغيّر المناخ منذ قمة الأرض التي انعقدت في الريو العام 1992 على ان تتقاسم المسؤوليات على قاعدة غاية في السلبية تجاه المناخ: عدم تراجع الدول المتقدمة عن نموذجها الحضاري والتنموي المدمر للكوكب، وطموح البلدان النامية ان تصل الى ما وصلت اليه البلدان المتقدمة من تقدّم ورفاه على حساب مناخ الكوكب! في حين كان المطلوب ان تتراجع الدول المتقدمة عن نموذجها التنموي وان لا تسير الدول النامية في النموذج المدمّر نفسه.
4 ـ ان الرهان على الاقتصاد الأخضر والتكنولوجيا الخضراء لإنقاذ الكوكب، لن يحل المشكلة، مع علم الجميع ان هذه التكنولوجيا تحتاج الى اتربة نادرة لتطويرها وتوسيعها وان كلفتها عالية ولا تستطيع ان تنافس في اقتصاد السوق.
5 ـ عدم اعتراف الدول المتقدمة والنامية معاً بأن الخروج من الازمة على المدى البعيد، يبدأ بالاقتناع الكلي بالتخلي عن نماذج التنمية المعتمدة والمسيطرة على العالم وأنه يفترض العودة الى الوراء في كل شيء لإنقاذ الكوكب. وإعادة النظر بأسس اقتصاد السوق.
6 ـ لم تظهر الدول الموقعة على الاتفاقية الاطارية لتغير المناخ انها متحمسة كثيراً لاتفاقية جديدة ولإنقاذ المناخ سريعاً بمجرد انها حددت العام 2015 لإنتاج اتفاقية في باريس والعام 2020 للبدء بتطبيقها، هذا إذا تم التوصل الى اتفاقية ملزمة!
7 ـ إن مجرد طرح أفكار بترك الخيار للدول لكي تعلن برنامج تخفيض خاص بها لانبعاثاتها وبنسب متفاوتة (بين 10 او 40%) وبالقياس الى سنوات مختلفة (بين العام 1999 والعام 2005)، هو بمثابة تراجع عن إمكانية الوصول الى اتفاقية ملزمة وفيها ارقام محددة لخفض الانبعاثات يفترض الالتزام بها ومعايير وطرق قياس موحدة، وقد بدأنا نسمع من العديد من الدول وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية أن «لا عودة الى تعهدات كيوتو»! مما يعني أن الصعوبات لا تزال هي نفسها وانه يمكن لممثلي الحكومات أن يُقرّوا اتفاقية ما في المؤتمرات الدولية ثم تعود البرلمانات وتنقضها او تتراجع عن التزاماتها كما حصل سابقاً.
8 ـ هذه المؤشرات وغيرها الكثير، تعني أن «وعود» الدول المتوقعة (لكي لا نقول «التزامات»)، لن تمنع ارتفاع درجات حرارة الأرض درجتين، كما هو متوقع، وان العالم سيشهد ظواهر مناخية متطرفة جداً، أكثر من موجـــات التطرف والإرهاب التي تضـــرب العــالم هذه الأيام، بما لا يُقاس.
9 ـ كل ذلك على قاعدة: مَن ينقب عن النفط ويزرع الاسمنت والإسفلت، يحصد العواصف والأعاصير.
مصدر: السفير