ليس من المستغرب ان يسفر اجتماع فيينا حول الازمة السورية بتاريخ 29 ــ 30 اكتوبر/ تشرين الاول 2015 عن نتائج مشربة بالكثير من السوداوية السياسية والأخلاقية.
ليس من المستغرب ان يسفر اجتماع فيينا حول الازمة السورية بتاريخ 29 ــ 30 اكتوبر/ تشرين الاول 2015 عن نتائج مشربة بالكثير من السوداوية السياسية والأخلاقية، ما دام قد شاركت فيه اطراف تمارس دور الخصم والحكم في آن معا.
واقع الامر أن هذه النتائج لا يمكن أن تمثل سفينة النجاة التي يمكن ان تحمي سوريا الأرض والشعب والسيادة من الأعاصير العدوانية العاتية التي تولدت بفعل المؤامرة الصهيوغربية والأحقاد البترودولارية الخليجية.
وازاء ذلك ربما ـ وإن كنا لا نرجو ذلك ـ سيكون من البديهي ان تتفاقم المشكلة السورية أكثر فأكثر طالما ان الأنظمة الجاهلية الطائفية كالسعودية والامارات والبحرين وقطر تطالب وبكل وقاحة بما لا تجرؤ هي على تطبيق حدوده الدنيا لشعوبها المضطهدة والمسحوقة على مرأى ومسمع أدعياء الديمقراطية والمدافعين عن حقوق الإنسان في العالم الغربي.
من هنا يبدو بالنسبة لنا ان الحوار مع الشعوب الاسلامية والعربية أمر ضروري بل ومصيري، لأن المتآمرين الدوليين والأقليميين ما فتئوا يضللون الرأي العام العالمي بكل أساليب الخداع والتزييف، لتعليق جرائمهم على مشجب ايران تارة وعلى شماعة شيعة آل البيت النبوي الشريف طورا وعلى كليهما تارة اخرى، وليخرجوا هم منها طاهرين مطهّرين، حتى لكأن عصابات داعش وشبيهاتها لم تخرج من رحم الوهابية النجسة ولم تدعمها اموال حكام الطائفية والعمالة والإستبداد في البلدان النفطية المطلة على الخليج الفارسي، ولا أنها احتضنت بشكل فاضح من قبل تركيا.
الثابت ان سوريا التي تمثل حجر الأساس لمحور المقاومة الشريفة بوجه المشروع التوسعي الغربي الصهيوني، تتعرض منذ آذار 2011 وحتى وقتنا الراهن الى أبشع حرب عالمية بربرية تمزيقية تدميرية عرفها التاريخ الحديث. حرب هلل وافتى لها علماء السوء ووعاظ السلاطين في الدول الخليجية وتركيا. وكان الهدف الرئيس من وراء اشعالها هو الانتقام من سوريا البطلة شعبا وجيشا وحكومة وقائدا بجريرة مساندة انتصارات حزب الله والمقاومة الاسلامية والوطنية الباسلة في لبنان وفلسطين، وأيضا بسبب اصرار دمشق المشروع على استعادة اراضيها ومياهها المغتصبة في الجولان السوري المحتل منذ حزيران عام 1967.
لقد كان واضحا منذ اشتعال الفتنة في سوريا ان هذه الدولة المعروفة بالتجانس السكاني والتعايش الانساني والتسامح الديني، على موعد مع احدى الحلقات الخطيرة لمشروع الشرق الاوسط الجديد وما يسمى بـ "نظرية الفوضى الخلاقة" الاميركية المنشأ والتنفيذ. وتبعا لذلك فقد تمرحلت مؤامرة تقطيع اوصال سوريا واجبار شعبها على التشرد والاغتراب بالملايين في انحاء الارض، حتى وصلت الاوضاع الى ما هي عليه الان، حيث المجموعات الارهابية التكفيرية من جميع الأمم والأمصار تسرح وتمرح من الرقة الى الموصل وتمارس المجازر المروعة وتطبق القوانين البشعة باسم الاسلام وتصك النقد بالذهب والفضة، وكأنها خارج المنظومة الدولية.
كما كان واضحا ان احتلال مدينة الموصل في10 ـ 6 ـ 2014 ، واعلان "دولة الخلافة الداعشية" مقدمة للزحف الى بغداد واسقاط العراق ارضا وشعبا وثروات وفيرة في أتون نار طائفية حاقدة لن تستثني سنة ولا شيعة ولا أقليات دينية أخرى في هذا البلد المتعايش على اسس البر والتقوى والانصهار والتراحم منذ الازل. فجاءت فتوى المرجعية المعظمة بعد 3 أيام أي بتاريخ 13 ـ 6 ـ 2014، بإعلان الجهاد المقدس ومجابهة هذا المد التكفيري، لتنزل صاعقة على رؤوس الدواعش وآل سعود وأذنابهم في الامارات وقطر والبحرين اضافة الى تركيا، فضلا عن زعماء الارهاب الدولي في "تل أبيب" وواشنطن والعواصم الغربية المتصهينة.
وبسبب التعامي الاميركي الاوروبي عن تمدّد داعش فضلا عن تزويده بأنواع الدعم اللوجستي والتسليحي والتمويني كما كشفت عنه استخبارت الجيش والحشد الشعبي العراقي، فقد اتضح لروسيا بأن التحالف الغربي الصهيوني الخليجي يخوض لعبة خطيرة لم تعد توفر أحدا من دول محور المقاومة، وهي تمضي قدما في تطبيق بنود "مشروع الفوضى الاميركية الخلاقة"، فما كان من موسكو إلاّ أن تدخل طرفا في هذه الحرب التي أماطت اللثام عن أسرار جرى التعتيم عليها بفعل الماكنة الاعلامية الغربية.
لقد عجّلت الانتصارات المظفرة للجيش السوري المناضل وحزب الله المقاوم على أرض سوريا الأبية، والملاحم الاسطورية لأبطال الجيش العراقي والحشد الشعبي والتي توجت بتطهير مدينة بيجي يوم 20 اكتوبر 2015 من دنس الدواعش، بالاضافة الى تأثير الدور الاستشاري العسكري الايراني في سوريا والعراق في آن واحد، الى جانب مشاركة القاذفات الروسية الجوية في قصف مواقع ومعاقل التكفيريين، في تقاطر الأطراف المفزوعة من هذه المعطيات على "فيينا" وإذعانها بأهمية مشاركة الجمهورية الاسلامية الايرانية القصوى في أعمال هذا الاجتماع الدولي.
المثير للسخرية والإستهجان في آن واحد ان اجتماع فيينا تحوّل في جانب منه الى منبر تهريجي جرّاء أكاذيب وزير خارجية النظام السعودي عادل الحبير الذي جنح الى اسلوب "رمتني بدائها وانسلت" السخيف، وذلك بإلقائه مسؤولية الدمار التكفيري الوهابي الداعشي بسوريا على طهران مشترطا رحيل الرئيس المنتخب ديمقراطيا السيد بشار الأسد، مدخلاً لإنهاء الأزمة في بلاده التي كانت جنة غناء قبل الهجمة المسعورة لعملاء آل سعود.
وهذا الموقف يحرض لامحالة على توجيه هذا السؤال المزدوج الى الجبير وأسياده والذي هو: أولاً، من سمح لكم ان تتحدثوا باسم الشعب السوري العريق؟ وثانياً، أنتم بالذات من أين لكم الشرعية وانتم تحكمون بلاد الحرمين الشريفين بما تشتهي سياسات أولياء نعمكم في لندن وواشنطن و"إسرائيل" منذ قرابة المئة عام دون حتى انتخابات بلدية فضلا عما هو أهم و أخطر.
بقلم: حميد حلمي زادة