وقال السيد الحكيم في خطبة العيد التي أقيمت في مكتبه ببغداد :"بعد مضي سبعة أشهر على إجراء إلانتخابات المبكرة في العراق، ما زلنا نشهد تلكؤا واضحاً في تشكيل مشهد سياسي جديد ينسجم مع الغرض الأساسي الذي من أجله أُجريت الإنتخابات المبكرة والتي كلفت الدولة الكثير من الجهد والمال، فضلا عن تعطيل رغبة الشعب في تشكيل حكومة قوية ومتماسكة لإيجاد تغيير حقيقي وفاعل في بنية البلد وقطاعاته وحقوله المتنوعة خدميا وإقتصاديا وأمنيا".
وأضاف، إن "الأوضاع السياسية في البلاد في ظل الظروف الحساسة، تحتاج الى مراجعة ومعالجة واقعية وسريعة تنقلنا من حالة إلانسداد الى إلانفراج ومن الجمود الى الحراك ومن التقاطع الى التفاهم وكل ذلك ممكن ومتاح إذا ما استثمرنا الأجواء المعنوية لعيد الفطر المبارك وحَكّمنا العقل والحكمة والحوار وشحذنا الهمم".
وتابع "أقولها بوضوح وحرصٍ ومحبة، إن عملية الكسر السياسي لاتخدم طرفاً ولاتبني بلداً ولاتحقق هدفاً ومن شأنها أن تزيد من التعقيدات القائمة".
وأكد السيد الحكيم، إن "بقاء الأمور كما هي والتسليم لما يجري وإنتظار الحلول من الخارج او الإستمرار بمنهج التقاطع والتنافر والتراشق يمثل خطراً محدقاً ستكون له عواقب وخيمة على الديمقراطية وعلى مبادئ إحترام الدستور والقانون والتداول السلمي للسلطة وعلى مسار بناء الدولة ومؤسساتها".
وشدد "يجب أن نستنكر بوضوح أي تعدٍ أو تجاوز على الدستور وتوقيتاته ومواده، ويجب أن نوقف أي إضرار بمصالح الناس وأرزاقهم وخدماتهم من عدم تشكيل الحكومة".
وبين إن "هذا القصور السياسي إنما يدل على وجود مشكلة بنيوية في طبيعة النظام السياسي وتفاعلاته، فليس من الصحيح أن تتحول العملية الإنتخابية الى مشكلة بحد ذاتها".
وأبدى السيد الحكيم "استغرابه من أنه بدلا من استعادة ثقة الشعب بنظامه السياسي وتجديد دماء العملية السياسية نحو الأفضل تتكرر ذات الأخطاء في زيادة الهوة بين الشعب وبين النظام، ومن حيث لا نعلم يزدادُ سخط الشباب تجاه المنظومة السياسية، وبذلك يتعرض أمن البلد الى تحديات مضافة لتحدياته القائمة!".
ولفت الى ان "هناك معطيات سياسية مربكة، وهناك ظروف معقدة أيضاً لكن هذا القصور والانسداد السياسي سيزيد من التعقيد والإرباك في المشهد سينتج لنا أزمات تلو أزمات ولاسيما مع واقعنا الخدمي والإقتصادي المرهق، الى جانب التلكؤ في ملف مكافحة الفساد وتطوير البنى التحتية وسنبقى حينها ضمن سقف التحديات نفسه وضمن مناخ التعقيد السياسي المركب".
ودعا "جميع المعنيين الى أن وضع مصلحة العراق وأمن شعبنا ومصالحه فوق كل إعتبار وأن نتخطى المواقف السابقة بقلوب واسعة كسعة العراق لأبنائه".
وجدد السيد الحكيم "دعوته بضرورة تشكيل حكومة منبثقة من الكتلة الأكبر و التي يشكلها المكون الأكبر في البلاد لكي ننتج معادلة سياسية مستقرة توفر بيئة متوازنة ومطمئنة لحكومة قوية تستطيع تحقيق رغبات شعبنا في حياة حرة كريمة".
وحذر "بشدة من محاولات تمرير تحالفات غير متوازنة تتخطى حق المكون الأكبر في ترشيح رئيس لمجلس الوزراء او تعيد اصطفافات التجارب السابقة التي لم تنتج الا مزيدا من التعقيد والإرباك في عموم المشهد".
وأكد ان "لا نجاح لأي أغلبية سياسية إذا لم تراع أغلبية المكونات المشكلة لهذه الأغلبية، فمشهدنا السياسي لا يتحمل مجازفات ومغامرات جديدة كفانا إضاعة للوقت وهدرا للجهود الخيرة".
وأوضح ان "بناء البلد يتطلب تشخيصاً واضحاً لحجم التحديات ونوعيتها ويتطلب رؤية واقعية وفاعلة في كيفية المعالجة والشروع به، اذ لا يمكن معالجة كل شيء في آن واحد وعليه لابد أن تتكامل الحكومات فيما بينها على إكمال ما تم الشروع به والتأسيس لمشاريع أخرى في ذات السياق ضمن أولويات البناء والنهوض بالبلد".
ودعا رئيس تحالف قوى الدولة الوطنية "جميع القوى السياسية في مجلس النواب ممن إختار المشاركة في الحكومة المقبلة او المعارضة، الى إصدار {وثيقة البناء الإستراتيجي للبلد} وإشراك المؤسسات الحكومية والمدنية في صياغة هذه الوثيقة".
وشدد على، أن "تتضمن تلك الوثيقة مدداً زمنية ملزمة للحكومة التي يتم منحها الثقة النيابية ومحاسبتها على نسب الإنجاز، فالعراق مقبل على أزمات بيئية وإقتصادية خطيرة جدا إذا لم نوقف تداعيات الانسداد الحالي، ونبدأ بالنهوض بشكل عملي وواقعي".
ولفت السيد الحكيم الى ان "هناك زيادة سكانية كبيرة في العراق مقارنة بالدول الأخرى ولدينا زيادة سنوية كبيرة في تصحر الأراضي الزراعية ولدينا ضغط كبير في البنى التحتية للدولة وأهمها في قطاعات الصحة والتربية والتعليم".
وأكد ان "إصلاح ذلك كله يتطلب وقفة مسؤولة من الجميع فلا تستطيع أي حكومة مهما كانت قدراتها الفنية إنجاز ذلك من دون تكاتف سياسي لتحقيق أهداف وأولويات محددة".
وأشار الى "أننا شهدنا في الآونة الأخيرة ظهور معدلات كبيرة وغريبة في نوعية جرائم العنف الأسري والمجتمعي فضلا عن تزايد حالات الإنتحار والقتل في داخل أفراد الأسرة، وهي أمور دخيلة لم نكن نسمع بها ولا تنسجم مع قيم الأسر العراقية ومبادئها المعروفة".
وتابع، انه "ولعل معظم الدوافع والأسباب متعلقة بإنتشار المخدرات في أوساط الشباب وحالات الإنفلات والفوضى الرقمية في منصات التواصل الإجتماعي التي باتت تهدد التماسك الأسري والتوعوي بين طبقات المجتمع كافة وهو ما يتطلب وقفة جادة للتعرف على أهم الأسباب وتشخيص مدياتها وأبعادها الإجتماعية".
وقال :"السؤال الأهم: لماذا لا نجد في قنواتنا الإعلامية، ومنظماتنا المدنية، إهتماما يتناسب مع خطورة هذا الملف؟ وهل هناك أهم من بناء الأسرة وتمتين علاقتها مع المجتمع؟ كيف يمكن أن نبني دولة ونحن نعيش تهديداً مباشراً لأمن أسرنا وقيم أبنائنا؟".
ودعا السيد الحكيم "المؤسسات التعليمية والتربوية والإعلامية ومنظمات المجتمع المدني وبإشراف مباشر من الحكومة إلى إطلاق {خطة مجتمعية بعيدة المدى} تأخذ على عاتقها تحديد أهم المشاكل التي تهدد الأسرة العراقية وتعمل على معالجتها بطرق علمية مدروسة ومحددة بمهام موكلة لكل مؤسسة حكومية أو مجتمعية وأن تكون هذه الخطة مقرونة بقوانين تساعد الجهات المعنية على وقف كل مايعرقل عملية الإصلاح المجتمعي".
وأكد انه "لا يمكن إصلاح حالنا من دون خطط مدروسة ومحددة المهام والأسقف والأهداف" داعياً الى "جعل الخطط هي المعيار في محاسبة قصور الآخرين كفانا إتهامات وتأويلات ولتكن بوصلتنا معطيات ومعايير حقيقية للمحاسبة والتقويم".
وفي الصعيد الاقليمي والدولي رحب السيد الحكيم "كثيرا باستئناف سوريا لدورها في المحيط العربي كما نشيد بدور أشقائنا العرب في طي هذه الصفحة الحالكة التي استنزفت الكثير ونحن ندور في متاهات لا أفق لها وقد كانت على حساب أمننا العربي ومصالح شعوبنا ومستقبل أجيالنا".
وشدد على إن "غياب الدور العربي والإسلامي الفاعل والمؤثر سمح للقوى الدولية والإقليمية أن تتدخل بشكل سلبي في المحيط العربي والإسلامي وأن تستهدف السيادة العربية والإسلامية وتضعف أواصر العلاقات الأخوية بينهم".
ونوه الى إن "مصيرنا العربي والإسلامي المشترك يحتم علينا التفاهم والحوار وتعميق أواصر الأخوة العربية والإسلامية، فلا يمكن أن نكون {خير أمة أخرجت للناس} مالم نكن مثالاً للوحدة والإعتصام بحبل الله المتين".
وجدد السيد الحكيم "استنكاره للعمليات العسكرية التركية المتكررة على سيادة أراضينا ورفض استخدام الأراضي العراقية للإعتداء على دول الجوار او استهداف أمنها القومي".
وأكد إن "تسليط الضوء على هذا الملف بات ضرورة وطنية، فكما أننا لا نريد تعكير الأجواء مع الجارة تركيا لوجود وشائج مجتمعية ومصالح كبيرة ومهمة معها فإننا في الوقت نفسه لا نريد أن تُستهدف السيادة العراقية بهذه الطريقة التي تجرح الكرامة العراقية وتستفز أبناء العراق".
ودعا "الحكومة الى مكاشفة الشعب والقوى السياسية عن الإجراءات المتخذة في معالجة هذا الملف الذي يستهدف السيادة العراقية وأن تكون المعالجات بقدر المسؤولية والأهمية الوطنية لهذا الملف الحساس".
وحول الحرب الروسية – الاوكرانية لفت السيد الحكيم الى "مراقبة الأحداث في المشهد الروسي الأوكراني ونتأسف كثيرا لتغليب لغة العنف والحرب على خيار التفاهم والحوار البناء".
وأكد ان "النظام الدولي وما يعانيه من مشاكل إقتصادية وبيئية خطيرة تهدد أجيالنا في المستقبل القريب، ولا يمكن أن يصمد أمام تغليب لغة العنف والحروب وخيارات كسر الإرادة الدولية مهما كانت الأسباب وإننا في العراق قد خبرنا لغة الحروب وظروفها وشهدنا تداعياتها الأليمة على شعوب المنطقة برمتها".
ودعا "المجتمع الدولي الى إتخاذ قرار سريع يساعد الأطراف على إيقاف إطلاق النار والعودة الى احترام خيار السلام والتفاهم والحوار".
وأشار الى إن "تداعيات استمرار هذا الصراع لن تقف عند الحدود الأوكرانية الروسية فحسب، بل ستمتد لتصبح تهديداً مباشراً لأسس النظام الدولي القائم، ولاسيما بعد فشل مجلس الأمن الدولي في إيجاد حل للأزمة القائمة حاليا، فما قيمة عمل المؤسسات والمنظمات الدولية إن لم تستطع إيقاف الحروب والانتهاكات الإنسانية المتكررة للشعوب والدول..!؟".