لماذا تغير موقف مصر من الملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي؟

الجمعة 21 مايو 2021 - 14:33 بتوقيت غرينتش
لماذا تغير موقف مصر من الملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي؟

مصر_الكوثر: قلل وزير الخارجية المصري سامح شكري، من تأثير قرار إثيوبيا بالملء الثاني لحوض السد الذي تبنيه على النيل الأزرق على مصر، مؤكدا في تصريح مثير للجدل أن "لدينا رصيد آمن في خزان السد العالي".

وأضاف وزير الخارجية في لقاء مع الإعلامي نشأت الديهي من العاصمة الفرنسية باريس، الثلاثاء الماضي : "لدينا ثقة أن الملء الثاني للسد لن يكون مؤثرا على المصالح المصرية"، مشيرا إلى أن تعامل مصر مع الأزمة سيكون عبر ما أسماه بـ"الإجراءات المحكمة في إدارة مواردنا المائية".

رد الفعل الإثيوبي جاء الخميس، على لسان المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، مرحبا بتصريحات شكري حول عدم تأثر مصر بعملية الملء الثاني، مؤكدا أنه "الموقف الذي كنا نؤكده مسبقا"، فيما أعلنت إثيوبيا الأربعاء، الانتهاء من بناء 80 بالمئة من أعمال السد.

ويتناقض تصريح شكري، مع شكوى تقدم بها لسكرتير عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، ورئيس مجلس الأمن، ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، 13 نيسان/ أبريل 2021، لشرح أبعاد خطورة السد الإثيوبي على مصر، محذرا من اضطرابات إقليمية قد تحدث.

وبحسب موقع "عربي 21"على مدار الشهور الماضية، أعلنت مصر مرارا عن رفضها التام للملء الثاني، ورصد وزير الري المصري وخبراء مصريون مخاطره على مصر والسودان ورفضوا تماما القبول به، فيما أصدر وزير الري المصري محمد عبد العاطي تصريحا يخفف من وطأة حديث شكري.

وقال عبد العاطي، الأربعاء، لفضائية (DMC) المصرية؛ إن "الملء الثاني لسد النهضة سيؤثر بشكل كبير على مصر والسودان، خاصة إذا كانت هناك فترة جفاف".

مراقبون اعتبروا حديث شكري تمهيدا مسبقا لإعلان مصر قبولها الملء الثاني، وتراجعها عن تهديد السيسي لإثيوبيا في 30 آذار/ مارس 2021، بالخط الأحمر، والتلويح بالحرب، واللجوء لمجلس الأمن الدولي، بل والرضوخ للقرار الإثيوبي بالملء للعام الثاني على التوالي.

"تخبط واضح"

وفي إجابته على التساؤل: هل يمهد الوزير المصري لقبول مصر ورضوخها للقرار الإثيوبي بالملء الثاني دون اتفاق؟ قال الخبير في الشؤون الأفريقية، وأستاذ العلوم السياسية بمعهد الشرق الأوسط، بجامعة سكاريا (تركيا)، خيري عمر: "يبدو أن السياسة المصرية تسير في ناحية دون الأخرى، وخصوصا أنها مشت عبر المفاوضات دون استكمال الشروط والتقارير الفنية حول السد من المكاتب الاستشارية الدولية".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أشار إلى أنه "كان هناك ما يشير لوجود خطة لعملية الملء في 2018، مشروطة بالتوصل لاتفاق ملزم؛ وهو ما لم يتم"، موضحا أنه "ومن ثم سارت الأمور على أن مصر تلاحق السياسة الإثيوبية، دون أن تثبت نقطة محددة يمكن البناء عليها مستقبلا، في تخبط واضح منذ البداية".

أكد أنه "من هنا يمكن تفسير تصريح شكري، بل اعتبره رسالة توضح ملامح الموقف المصري، ويأتي التصريح في هذا السياق، وأعتقد أنه لن يخرج عنه".

ولفت إلى "التحدي الذي يطرحه التصريح عن أسباب تغير خطاب وزارة الخارجية الذي كان يصر وفقا لخطاب القاهرة لمجلس الأمن، على أن هناك أضرارا وهناك اضطرابات إقليمية كثيرة قد تحدث".

ويعتقد الأكاديمي المصري أن "هذا التصريح، وإن كان أشار إلى ضرورة الاتفاق الملزم مع إثيوبيا؛ ولكن المحور الأساسي فيه هو أنه لا توجد لمصر مشكلة في الملء، ما يضعف الحجج المصرية السابقة بأنه قد تحدث توترات إقليمية وعدم استقرار وهكذا".

ويرى أن شكري، منح لموقف إثيوبيا قوة أمام العالم، موضحا أن "فكرة الاحتجاج قانونيا وسياسيا بالضرر الآني أو المباشر من المواقف الإثيوبية لم تعد قائمة؛ ومن ثم ليس هناك قاعدة قانونية تستند إليها مصر للدفاع عن حقها أمام المنظمات الدولية".

ويظن كذلك، عمر، أنه نتيجة لتصريحات شكري، فإن "مفردات الاتحاد الأفريقي ستميل إلى أن تكون مفردات تسييرية، بمعنى عدم وجود اتفاقات جديدة، بما فيها احتمالات الوصول لاتفاق ملزم مع إثيوبيا".

وفي لفتة أخرى، أشار إلى "أثر آخر مرتبط بهذا التصريح، وأنه يمكن تفسيره في إطار اجتماع قمة باريس الثلاثاء والأربعاء الماضيين، ويمكن الاستخلاص منها واستقراء وجود توجه دولي لدعم السودان، وبهذا المعنى فالاتجاه الدولي مرتبط ويميل لقبول توجهات إثيوبيا بالسياسة السودانية".

الخبير بالشؤون الأفريقية عبّر عن تخوفه من أن "تعكس أو تشير مخرجات مؤتمر باريس لحدوث تحول محتمل بالسياسة السودانية بعيدا عن مصر مستقبلا؛ باعتبار أن سياسة رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، تميل لعدم وجود أضرار من السد، وأن الخطاب المصري غير واقعي".

كما ربط بين نتائج زيارات الوفد الأمريكي لمصر والسودان وإثيوبيا ومخرجات مؤتمر باريس بحضور القاهرة والخرطوم، وتغيرات الموقف المصري، معتبرا أن "مؤتمر باريس مشهد مكمل للسياسة الدولية، وأنه لا يمكن قراءة السياسة الفرنسية بمعزل عن الأوروبية والأمريكية حول سياسات الشرق الأوسط".

وفي تفسيره لأسباب شحن الشارع المصري حول أزمة السد الإثيوبي ثم محاولات تهدئته، أكد "وجود فجوة وتباعد بين الموقفين، معتقدا أنه "إذا كانت الدولة تعتبر أن شيئا ما يمثل خطرا وتحديا ثم يتم نفي هذا التحدي، فهذا يعني أن الاستقرار على موقف نهائي غير واضح".

"غير المعلن كثير"

ومن جانبه قال الخبير الاقتصادي المصري، عبدالنبي عبدالمطلب: "من البداية وأنا أقول إن غير المعلن في مفاوضات السد الإثيوبي أضعاف المعلن".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح أن "ما صرح به الوزير شكري، ما هو إلا ترجمة للمبدأ الثالث من اتفاق المبادئ الذي تم توقيعه عام 2015، وهو مبدأ عدم الضرر، حيث يشير المبدأ لإمكانية قبول الضرر القليل، (ضرر غير ذي شأن)".

وتابع: "وإذا كان الضرر كبيرا (ضرر ذو شأن)؛ فيمكن من خلال التنسيق بحث طلب التعويض المناسب من الدولة التي تسببت بالضرر كلما كان ذلك ممكنا"، مؤكدا أنه "ولذلك فاعتقادي أن تصريح شكري، لا يمثل مفاجأة".

ويعتقد عبدالمطلب، أن "جولة المبعوث الأمريكي بالدول الثلاثة، ثم مؤتمر دعم السودان بباريس كانا لهما أثر كبير بتغيير لهجة التصعيد المصري بخصوص السد الإثيوبي"، مشيرا لتأكيد أمريكا اهتمامها الكبير بمنطقة القرن الأفريقي، وإرسالها مبعوثا خاصا.

ويرى في نهاية حديثه، أن "موقف السودان الرافض لأي عمل عسكري ضد السد؛ له دور كبير في تهدئة لهجة التصريحات المصرية".

ردود فعل غاضبة

تصريحات شكري، خلفت حالة من الغضب بمواقع التواصل الاجتماعي عبر عنها وزير الري المصري الأسبق نصر علام، بقوله: "إذا كان الكلام من فضة، فأحيانا السكوت من ذهب".

وأشار إلى مدير مركز طيبة للدراسات الدكتور خالد رفعت، لتأثير تصريح شكري الكارثي، موضحا أن إثيوبيا تلقفته ونشرته بكل اللغات كإقرار بحقها، باعتراف وزير خارجية مصر".

وتساءل: "إذا كان ملء السد لا يؤثر علينا فلماذا نتفاوض؟ متابعا: ولماذا وضع السيسي الخط الأحمر؟ متهما الخارجية المصرية بالضعف، ومطالبا شكري بالاستقالة.

واعتبر البرلماني المصري طلعت خليل، تصريح شكري "كفيلا بإحالته للمحاكمة، بتهمة الإضرار عمدا بمصالح الدولة وتأليب الرأي العام".

رئيس التحرير الأسبق لصحيفة الأهرام، أحمد النجار، قال؛ إن تصريح شكري "جدير بأن يصدر عن المسؤولين في إثيوبيا"، مؤكدا أنه "يجعل كل ما أثارته مصر الرسمية حول خطورة ورفض هذا الملء بدون اتفاق، وكأنه عبث وإشغال فارغ للمجتمع الدولي".

ويعتقد أنه "لو أراد النظام السياسي التراجع عن حديث الخط الأحمر وهي كارثة، فليست هذه هي الطريقة"، موضحا أنه يعطي إثيوبيا "تصريحا بإكمال جريمة الملء".

رئيس تحرير صحيفة الأهرام الأسبق عبدالناصر سلامة، أكد عبر صفحته بـ"فيسبوك"، أن حسابات النظام ليست موفقة، إذا توهم أن هذه القضية يمكن أن تمر كما حدث مع التنازل عن تيران وصنافير، أو حقول غاز المتوسط، ذلك أننا أمام قضية حياة أو موت.

أما السفير السابق محمد مرسي، أكد أن حديث شكري "خطأ جسيم"، لأن الملء غير معروف الحجم ولا المدة، وأنها أمور فنية من اختصاص وزير الري.

وأشار إلى أن الحفاظ على منسوب مياه بحيرة السد العالي تعويض النقص بسبب الملء الثاني، يتطلب التضحية بزراعات استراتيجية واستيرادها بالعملات الصعبة، وإنفاق مليارات الجنيهات لتبطين الترع والمصارف وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي.

الناشط السياسي الدكتور هاني سليمان، أكد أن تصريح شكري يعكس فشل التهديد بالحل العسكري و"الخط الأحمر"، وصدور الأوامر العليا للسياسيين والإعلاميين بجعل الشعب المصري يتقبل الأمر الواقع، وإدراك القيادة المصرية أن الأطراف الدولية أقرت بحق إثيوبيا.

المصدر : عربي 21