البعض رأى ان ترامب يحاول ضرب اكثر من عصفور بحجر واحد، عبر قرار الانسحاب، فهو يحاول توريط ايران و روسيا في سوريا، من خلال وقف حملته على”داعش” ، التي ستستعيد قوتها، بعد ان توقف امريكا ضرباتها الجوية ضد معاقلها.
هناك من رأى ان التكلفة الاقتصادية لتواجد القوات الامريكية في سوريا، هي التي دفعت ترامب، وهو رجال اعمال يقيس كل شيء بمردوده المادي، الى اتخاذ قرار سحب القوات الامريكية.
فئة اخرى رأت ان ترامب حال بقرار الانسحاب، دون الاصطدام بالجيش الذي سيرسله الرئيس التركي، عاجلا ام آجلا الى شمال سوريا من اجل مقاتلة الكرد السوريين، تحت ذريعة مكافحة الارهاب.
ونفس الفئة المذكورة رأت ايضا ان قرار الانسحاب يأتي لوقف الاندفاع التركي الى الحضن الروسي ،لاسيما بعد التنسيق الحالي بين انقرة وطهران وموسكو بشأن الاوضاع في سوريا، وبعد ما قيل عن صفقات الاسلحة الروسية الى تركيا.
قلة قليلة ذكرت ان ترامب يحاول من خلال الانسحاب من سوريا وحتى الانسحاب الجزئي من افغانستان، التحضير لهجوم عسكري ضد ايران، بهدف التغطية على فضائحه الداخلية التي اوشكت ان تطيح به مع قرب اعلان المحقق الخاص روبرت مولر عن نتائج تحقيقاته حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية لتي اوصلت ترامب الى البيت الابيض وكذلك فضائحه الاخلاقية والمالية.
اما العلاقة بين سحب القوات الامريكية من سوريا والهجوم على ايران، هي لابعاد هذه القوات عن مرمى النيران الايرانية التي ستصل اليهم لا محالة في حال شن ترامب هجوم على ايران.
هناك ايضا من رأى ان ترامب نفذ بسحب القوات الامريكية في سوريا، وعدا انتخابيا قطعه لناخبيه، وأراد ان يثبت لقاعدته الشعبية انه اوفى بكامل وعوده، ومنها سحق “داعش” واعادة القوات الامريكية الى الوطن.
وهناك من اعتبر شخصية الرئيس الامريكي ترامب المتقلبة والنزقة وغير المتزنة،هي السبب وراء سحب القوات الامريكية في سورية، وإلا لا شيء في الميدان يؤكد صوابية هذا القرار، بدليل استقالة وزير دفاعه جيمس ماتيس، وانتقاد شخصيات جمهورية وديمقراطية القرار واعتباره خطأ استراتيجيا.
رغم ان كل شيء ممكن في عالم السياسة، الا ان الرأي الارجح، حسب اعتقادنا، وراء انسحاب امريكا من سوريا، يعود الى هزيمة المشروع الامريكي في سوريا، وبعد ان اثخن الجيش السوري وحزب الله وايران وروسيا وباقي حلفاء محور المقاومة، جسد “داعش” بالجراح واقترب من ان يلفظ انفاسه الاخيرة، فكان لابد من اجراء تتمكن من خلاله امريكا من بعث الروح في هذا الجسد الارهابي المتهرىء مرة اخرى، عبر مده بكل اسباب القوة، دون ان تُتهم امريكا مباشرة بانها وراء عودة الروح هذه.
في حال وجود قوات امريكية على الارض في سوريا، سيكون من الصعب على امريكا ان تبرر تمدد “داعش” مرة اخرى على الارض، لانها ستتهم فورا من انها وراء هذا التمدد، لاسباب باتت معروفة، ولكن في حال خروجها، فان بامكانها عبر قنوات عديدة ان تمدها بكل عناصر القوة دون ان تثير اي شبهات حول دورها، الذي كان ومازال يحيط به شبهات كبيرة وعديدة.
رغم ان امريكا ستحاول بكل ما اوتيت من قوة، من اعادة الروح الى “داعش”، لتوريط، كما تعتقد هي، روسيا وايرن ومحور المقاومة في سوريا، واطالة امد الحرب هناك، ولكن فات ترامب ان امريكا التي عجزت عن انقاذ “اداعش” وهي في سوريا، فانها ستكون اعجز عن ذلك وهي خارجها.
*فيروز بغدادي