ويمنع الفصل 69 من القانوني الانتخابي “جميع أشكال الدعاية خلال فترة الصمت الانتخابي”، وكل مخالفة يترتب عنها غرامة مالية من 3 آلاف دينار إلى 20 ألف دينار تونسي، بحسب الفصل155.
وتؤشر الشكاوى التي يُطلقها حزب “نداء تونس” الحاكم من تلقي مرشحيه لــ”تهديدات بالتصفية” من أحزاب أخرى، على توجّسٍ بالغٍ من اشتعال المنافسة الانتخابية المفتوحة على تكهنات عديدة، مع ترجيح استمرار سيطرة القوى السياسية التقليدية (علمانيون وإسلاميون).
ويتنافس على مقاعد البلديات التونسية وهي الجماعة الإدارية الأولى في التنظيم الحكومي، أكثر من 2070 لائحة انتخابية بين الأحزاب والمستقلين، بما يزيد عن 54 ألف مرشح في 350 دائرة بلدية، سُتفرز 7500 مُنتخَب جديد.
وقدرت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن نصف عدد المرشحين تقريبًا من النساء، فيما تزيد نسبة الشباب “أقل من 35 عامًا” على الـ50%، يتنافسون على التمثيل المحلي لمجالس بلدية مربوطة بالتسيير المركزي للإدارة التونسية التي ما تزال رهينة لترسبات مرحلة حكم زين العابدين بن علي طيلة 23 عامًا.
ومنذ بدء الحملة الانتخابية في 14 نيسان/أبريل الماضي، ما يشبه العزوف على متابعة المهرجانات الدعائية في القرى والمدن، وهو ما انعكس على أداء المرشحين الذين اضطرّوا إلى إلغاء مهرجانات هربًا من شغور القاعات، والتحوّل إلى الترويج لبرامجهم سيرًا على الأقدام بالأسواق والساحات العامة.
ويكاد الحضور الميداني للمرشحين يقتصرُ على ممثلي قوائم حزبي “حركة النهضة” و”نداء تونس”، في استقطاب ثنائي يعكس استمرار المنافسة الحادة بين الحزبين المتحالفين في الحكومة والبرلمان، لكن ثمة مخاوف وتوجس من نتائج عكسية قد تضع الحزبين الكبيرين على هامش الأحداث، إذا فقدا السيطرة على غالبية المقاعد.
وعبّر القيادي في حركة نداء تونس، سيف الحرزي، في تصريحات أن “ثمة حقيقة ماثلة للعيان وهي أن حزبي النداء والنهضة هما الأكثر حضورًا في كل الدوائر الانتخابية، ولكنّ عنصر المفاجأة يظلّ قائمًا في كل الحالات”.
وقصد الحرزي إمكانية “انتقام الجماهير المشحونة بتحريض جهات سياسية على المقاطعة، والتصويت ضد مرشحي الحزبين اللذين يحوزان الغالبية الحكومية والبرلمانية منذ انتخابات 2014، مع أن الظروف السياسية والاقتصادية معروفة ولا علاقة للمرشحين بها”.
في سياق منفصل، رسم رئيس حركة النهضة التونسية، راشد الغنوشي، خططًا للتحالف مع حزب “نداء تونس” خلال الانتخابات البلدية، في محاولة لإغلاق باب التحالف مع أحزاب أخرى.
وسجّل الغنوشي أن التشريع التونسي “قد حدّد إطارًا توافقيًّا وديمقراطيًّا لم يعد يسمح لحزبٍ واحدٍ بأن يعمل بمفرده، وذلك يُكرّس نهج التوافق باعتباره ضمانةً للاستقرار والتنمية في البلاد”.
ونفى الغنوشي وجود “نوايا” للحزب الإسلامي في قطع علاقاته بحركة النداء ذات التوجّه العلماني، رغم أنّ الأخيرة قد أعلنت فكّ ارتباطها بحركة النهضة بمبرّر”إخفاق الائتلاف الحاكم منذ الانتخابات التشريعية والرئاسية التي جرت في العام 2014″.
وترفض الجبهة الشعبية، وهي مجموعة أحزاب وتنظيمات يسارية وتقدمية، القول بقدرة حزبي السلطة الرئيسين على افتكاك غالبية مريحة بالمجالس البلدية، إلا إذا “تمّ تزوير الانتخابات لصالح مرشحي الائتلاف الحكومي المغشوش”.
وقال رئيس الجبهة الشعبية، حمة الهمامي، في تصريحات لــ”إرم نيوز” إنّ الناخب التونسي يقف اليوم أمام مسؤولية تاريخية لإسقاط مشروع التحالف المغشوش والذي خرّب الاقتصاد الوطني، وزرع الفساد في الإدارة المحلية، وتسبب في بطالة الشباب وإحباطه، وأدخل البلاد في دوامة من المشاكل”.
وتابع الهمامي أنّ “الجبهة الشعبية تقف بدورها بمفترق طرق في مواجهة خطاب التخويف الصادر عن الائتلاف الحاكم في أكثر من مناسبة، لترهيب التونسيين والتمكين لمشروعاتهم التي لم تحقق الرخاء للشعب التونسي ومكّنت لثراء المجموعات النهضوية والندائية”.
وأبرز المعارض اليساري البارز أنّ تحالف حركتي النهضة ونداء تونس (إسلامية وعلمانية) قد أثبت فشله في تسيير الشأن العام على مدار سنوات، وهذا دليل كافٍ لفشله في أي مسؤولية تسند إلى مرشحيه في حال فوزهم بانتخابات البلديات التونسية، على حدّ تعبيره.
ويقول مراد حمداش منسق لائحة انتخابية للمستقلين في بلدية “باردو” بولاية تونس الكبرى، إنّ:”عشرات القوائم المستقلة دخلت السباق الانتخابي على البلديات لفقدان الثقة في الأحزاب التي لوّثت المشهد السياسي، وعزّزت قناعة قطاعٍ واسعٍ من المواطنين بضرورة معاقبة الأحزاب على فشلها في تسيير الحكومات المتعاقبة”.
وشككت أحزاب تونسية قدرة الحكومة على ضمان نزاهة الانتخابات، بعد مشاركة رئيسها، يوسف الشاهد، في حملة الانتخابات البلدية لحركة “نداء تونس”، وهي الحزب الحاكم في البلاد منذ فوزها بالانتخابات التشريعية التي جرت في نهاية 2014.
وقال الرئيس التونسي السابق، محمد المنصف المرزوقي، الذي يقود حزب حراك تونس الإرادة، إنّ “حملة الحزب الحاكم كشفت تعنّتًا من قبل دوائر السلطة للمكوث في الحكم أطول مدّة ممكنة، دون الاكتراث بمكاسب الثورة التونسية، ومستقبل العملية الديمقراطية في البلاد”.
وتابع المرزوقي في تصريحات إعلامية أنّه “أولى بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن تنتبه لهذا الخرق المنافي للدستور، وتمارس صلاحياتها على كل الأحزاب، وأن تقف على مسافة واحدة من كل المترشحين، لا أن تُحابي حزبين وتُعادي بقية الأحزاب”.
ولم تتردد حركة “مشروع تونس” في اتهام رئيس الحكومة بــ”الدوس على القانون الناظم للانتخابات”، داعيةً إيّاه إلى “الانسحاب بشرفٍ، واحترام الناخب التونسي، والإرادة الشعبية التي ناضلت من أجل الديمقراطية وقهر الاستبداد”.
كما استنكرت حركة محسن مرزوق في بيانٍ لها “عدم حياد يوسف الشاهد”، واعتبرت نزوله إلى المهرجانات الدعائية لحزب “النداء” خرقًا لمبدأ حياد السلطة التنفيذية الذي أعلنه بنفسه، وتجاوزًا خطيرًا لروح “وثيقة قرطاج”.
وذكر البيان أنّ وثيقة “قرطاج” المرجعية هي “من رسّخت لحكومة وحدة وطنية بهدف وقوفها على مسافة واحدةٍ من الأحزاب السياسية كافة، لا أن تُوفّر الدعم لحزبٍ واحدٍ يخوض الانتخابات البلدية في مواجهة مجموعة مرشحين متحزّبين ومُستقلّين”.
وفي الـ29 أبريل/نيسان الماضي، توجّه الأمنيون والعسكريون إلى صناديق الاقتراع خارج مؤسساتهم النظامية، لأول مرّة في تاريخ تونس المُستقلة، لكن نسبة المشاركة لم تتجاوز 12 بالمئة، ما رمى بظلاله على انتخابات، يوم الأحد، والتي يُخيّم عليها شبح العزوف.
واعتبرت نتيجة تصويت الأمنيين والعسكريين “ضربةً للحكومات المتعاقبة”، بعد الاستجابة الواسعة لقرار النقابة التونسية لقوى الأمن الداخلي بمقاطعة الانتخابات بذريعة “غياب الحقوق الانتخابية”، فيما شاركت نقابتان أمنيتان في الاستحقاق الانتخابي.
وقدّرت النقابة المقاطعة للانتخابات عدد منخرطيها في قوى الأمن الداخلي بحوالي 64 ألفاً من عناصر الشرطة والدرك وموظفي السجون، بينما يصل عدد المنتسبين للأمن والجيش التونسي إلى حدود 100 ألف عنصر، لكنّ عدد من سجّلوا أنفسهم بقاعدة بيانات الناخبين لم يتجاوز 36 ألف شخص.
وأعلنت وزارتا الدفاع الوطني والداخلية عن نشر نحو 60 ألف عسكري وأمني لتأمين عملية الاقتراع في كافة تراب البلاد، بينما يُراقب الانتخابات البلدية حوالي 6 آلاف ملاحظ تونسي وأجنبي، وممثلين عن هيئات دولية بينها الاتحاد الأوروبي والأفريقي ومنظمة الأمم المتحدة.
المصدر: وكالات
101/23